لا جائز أن يكون قديما : إذ لا قديم غير الله ـ تعالى ـ وصفاته ، كما هو معلوم في مسألة حدوث العالم (١). ولا وجود للإله ولا لشيء من صفاته في شيء من المحدثات ؛ فلا يوجب كون شيء منها عاقلا ؛ فإن حكم الذات لا يكون ثابتا للذات من غير ما قام بها ، كما يأتى أيضا.
وعلى هذا فقد بطل قول الحشوية (٢) بكون العقل قديما.
وإن كان حادثا : فهو إما جوهر ، وإما عرض.
لا جائز أن يكون جوهرا : إذ الجواهر متجانسة كما يأتى أيضا (٣). فلو كان بعض الجواهر عقلا ؛ لكان كل جوهر عقلا ؛ لأن ما ثبت لأحد المثلين يكون ثابتا للآخر.
وأيضا : فإنه لو كان العقل جوهرا ؛ لما عاد بسببه إلى العاقل به حكم ؛ وهو كونه عاقلا ؛ إذ الأحكام إنما تثبت للجواهر / لا بها.
وإن كان عرضا : فلا يمكن أن يكون عبارة عن مجموع الأعراض ؛ فإنه قد يتصف بالعقل من لم يكن متصفا بجميع الأعراض.
فإذا كان هو بعض الأعراض : فإما أن يكون من العلوم ، أو من غيرها.
لا جائز أن يكون من غير العلوم : وإلا لصح أن يتصف بالعقل من لم يعلم شيئا. كيف وأنه ما من شيء من أجناس الأعراض إلا ويمكن تقدير وجود العقل مع عدمه ما عدا العلوم وما يصححها. وإذا كان من العلوم : فلا جائز أن يكون عبارة عن كل العلوم ؛ لاتصاف الإنسان بالعقل مع تعريه عن معظمها.
وإذا كان بعض العلوم : فإما أن يكون ضروريا. أو نظريا. لا جائز أن يكون نظريا : إذ العقل شرط في العلم النّظرى ، فلو كان العقل نظريا ؛ لكان دورا.
وأيضا : فإنه قد يتّصف بالعقل من لم ينظر ، ولم يستدل أصلا.
__________________
(١) انظر ل ٨٢ / ب وما بعدها من الجزء الثانى.
(٢) الحشوية : هم طائفة من المحدثين بالغوا في إجراء الآيات والأحاديث التى يفهم منها التشبيه على ظاهرها ، فوقعوا في التجسيم حتى أثبتوا لله ـ تعالى ـ جسما ، وأبعاضا. وقالوا إن طريق معرفة الله ـ تعالى ـ هو السمع لا العقل. (مناهج الأدلة ص ٣١ ، ٣٢ الملل والنحل ١ / ١٠٣ ـ ١١٣).
(٣) انظر ل ٥ / ب من الجزء الثانى.