قلنا : فالعلم بكونه عالما بكل واحد من تلك العلوم إن كان غير كل واحد منها ؛ فيفضى إلى التسلسل الممتنع ؛ وهو أن يكون العلم بالعلم بتلك الأمور : زائدا عليه ، وهلم جرا ؛ وهو محال. وإن كان العلم بالعلم بتلك العلوم الضرورية : هو (١) نفس العلم بها ؛ فيلزم من تعددها تعدده ؛ ويعود الإشكال.
السادس : أنه إذا كان العقل بعض العلوم الضرورية كما ذكرتموه ؛ فلا يخلو : إما أن يمكن تحديده ، أو لا يمكن تحديده.
فإن أمكن تحديده : فقولكم هو بعض العلوم الضّرورية ليس (٢) بحد ؛ لعدم التعين والحصر. وما لا يكون حدّا ؛ لا يكون معرفا لما كان من قبيل التصوّرات.
وإن لم يمكن تحديده : فالعلم (٣) به غير بديهى ؛ فلا يكون معلوما. وبهذا يندفع قول من قال : ليس من شرط كل معلوم أن يحد ؛ فإن ذلك إنما يكون فيما سلّم كونه / معلوما ، وأما ما ليس بمعلوم ؛ فلا بد في معرفته من التّحديد.
السابع : أنه إذا كان العقل عبارة عن العلوم الضّرورية التى لا خلو للنفس عنها ؛ فيلزم منه أن لا يقع التفاوت بين العقلاء في مراتب العقل. وأن لا يفرق بين العامى الأبله ، ومن هو في غاية الجودة من الذكاء ، وشدة القريحة ؛ لعدم اختلاف الناس فيما ذكرتموه من الضّروريات ؛ ولا يخفى ما فيه من المكابرة ، والعناد.
ويمكن أن يجاب عنه : بأن القضاء بالتفاوت في العقل بين النّاس ليس باعتبار العقل الّذي هو مناط التكليف : وهو ما نحن بصدد تعريفه. وإنّما ذلك باعتبارات ، وهى ما (٤) قدمنا ذكرها (٤) من صحّة الفطرة ، أو التجربة ، أو حسن الحالة (٥) ، أو العلم.
وعند ذلك : فقد يمكن تحديده بما لا بأس به ،
وهو أن العقل عبارة عن : العلوم الضّرورية التى لا خلوّ لنفس الإنسان عنها بعد كمال آلة (٦) الإدراك ، ولا يشاركه فيها شيء من الحيوانات.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) في ب (هو ليس).
(٣) في ب (مما لا يمكن تحديده والعلم).
(٤) في ب (ما قدمناه).
(٥) في ب (الإحالة).
(٦) في ب (ذلك).