الفصل الثالث
في أن النّظر الصّحيح يفضى إلى العلم بالمنظور فيه ،
وإثباته على منكريه (١)
وإذا كان النّظر الصّحيح في دلالة قطعيّة ، ولم يعقبه ضدّ من أضداد العلم ؛ أفضى إلى العلم بالمنظور فيه. خلافا لبعضهم في قوله : إنّ النّظر لا يفضى إلى العلم (٢) ، وما يفضى إلى العلم الّذي ليس بديهيا ، غير خارج عن الحواس وأخبار التّواتر. وربما خالف بعضهم في الخبر المتواتر أيضا.
والحجة لنا من ثلاثة أوجه :
الحجة الأولى : [وهى] (٣) أنّ النّظر على ما حققناه : عبارة عن تصرّف العقل في المعلومات ؛ أو المظنونات السابقة المناسبة للمطلوب بترتيب بعضها إلى بعض ، توسّلا بذلك إلى تحصيل ما ليس حاصلا في العقل.
وعند ذلك : فلا يخفى أنّ من حصل عنده العلم بالمواد الصادقة ، والعلم بما اقترن بها من الصّورة الصّحيحة ، والتأليف الخاص الّذي يتولى بيانه / المنطقى ؛ علم بالضرورة لزوم المطلوب عنها ، وكونه صحيحا : وذلك كعلمنا بأن الأربعة زوج ، عند علمنا بأنّ الأربعة منقسمة بمتساويين ؛ وأنّ كل منقسم بمتساويين زوج.
الحجة الثانية : أنّا نجد من أنفسنا العلم بأمور كليّة حصلت لنا بعد ما لم تكن ، ولو خلينا على أصل الفطرة من غير طلب لها لم نعلمها ؛ وذلك كالعلم بمعنى النفس ، والعقل ، وغيره. ولا بدّ لها من مدرك يوصل إليها ؛ فإنها غير بديهية ، وليس المدرك لها الحواس ؛ إذ هى غير محسوسة. ولا الخبر المتواتر ؛ فإنه لا يفيد العلم فيما ليس بمحسوس ، والّذي يفيد العلم بها غير هذين المذكورين (٤) هو المعنى بالنظر.
__________________
(١) انظر المغنى ١٢ / ١٢٧ ـ ١٨١ وشرح الأصول الخمسة ص ٦٠ ـ ٧٥ للقاضى عبد الجبار ، والإرشاد ص ٦ ، ٧ ، والشامل ص ١١٠ وبحر الكلام ص ٤ ـ ١٤ للنسفى والمحصل ص ٢٨ وغاية المرام ص ١٨ ـ ٢٠ وشرح الطوالع ص ٢٨ ـ ٣٣ للأصفهانى ، وشرح المواقف ص ٩٠ ـ ١٠٧ وشرح المقاصد ص ٢٥ ـ ٣١ للتفتازانى.
(٢) في ب (العلم بالمنظور فيه).
(٣) في أ (هو).
(٤) في ب (المدركين).