وأيضا : فإنّا (١) نجد من أنفسنا العلم بوجود الإله ـ تعالى ـ وما يجوز عليه ، وما لا يجوز بعد ما لم يكن حاصلا لنا ، وليس ذلك من الأمور البديهية ، ولا من الأمور التى تعلم بالحس ، ولا التواتر ؛ إذ هى غير محسوسة ؛ فلم يبق إلا النظر.
الحجة الثالثة : وهى مختصة بإبطال مذهب الخصم هو أنا نقول : القول بنفي إفضاء النظر (٢) إلى العلم : إمّا أن يكون معلوما ، أو غير معلوم.
فإن كان معلوما : فإما أن يكون بديهيا ، أو غير بديهى.
لا جائز أن يكون بديهيا : فإنه لو خلى الإنسان ودواعى نفسه من مبدأ نشوّه مع قطع النّظر عن النّظر ؛ لم يجد من نفسه الجزم بذلك أصلا ، وليس البديهى كذلك. ولأن البديهى لا يخالف فيه أكثر العقلاء ، وأكثر (٣) العقلاء (٣) ـ وهم القائلون : بإفضاء النظر إلى العلم ـ مخالفون فيه.
وإن كان غير بديهى : فلا بد له من مدرك. وليس مدركه الحواس ؛ إذ هو غير محسوس ، ولا الخبر المتواتر ؛ لذلك أيضا ؛ فلم يبق إلا النظر.
وإن كان غير معلوم : فالجزم بنفيه متعذر.
وللخصوم على ذلك شبه :
الشبهة الأولى : هو أن المعلومات السابقة المناسبة التى يتصرف العقل فيها بالترتيب المفضى إلى المطلوب ؛ لا بدّ وأن تكون بديهية ، أو مستندة إلى البديهى ؛ قطعا للتسلسل ، والدور الممتنع ، والبديهيات لا حاصل لها. وبيانه من خمسة أوجه :
الأول : أنه لا يخلو : إما أن تكون الفطرة الإنسانية كافية في حصولها من غير احتياج إلى أمر آخر ، أو لا بد لها من أمر آخر. لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لكانت البديهيات حاصلة لنا في مبدأ النشو ، وحصول علم للإنسان (٤) وهو لا يشعر به محال.
__________________
(١) في ب (لا نجد).
(٢) في ب (العلم).
(٣) ساقط من ب.
(٤) في ب (الإنسان).