وأيضا : فإن الشرط لا يتضمن المشروط : كالحياة ؛ فإنها لا تتضمن العلم لما كانت شرطا له ، ولا توجبه ، ولا تولده. والنظر على اختلاف القائلين به لا يخرج عن ذلك.
وإن لم يكن شرطا فيه : فلا ارتباط بينه وبينه ، وإذا لم يكن النظر مرتبطا بالعلم بالمنظور فيه ؛ فلا يكون مؤديا إليه كغيره من الأمور الأجنبية عنه.
الشبهة الرابعة عشرة : أن الناظر إذا نصب دليلا على وجود الصانع مثلا ، فالمدلول : إما وجود الصانع ، أو العلم بوجود الصانع.
لا جائز أن يقال بالأول ؛ لأن افضاء النّظر إلى المطلوب لا يخرج عند القائلين به عن جهة التضمّن ، أو التولّد ، أو الوجوب على اختلاف المذاهب (١) ، والنّظر غير متضمّن لوجود الرب ـ تعالى ـ / ولا موجب له ، ولا مولّد له.
ولا جائز أن يقال بالثانى ؛ لأن الأدلة الدالة على العلم بوجود الصانع ، دالّة لذواتها ، وصفات أنفسها. فلو لم يوجد الرب ـ تعالى من يستدل بها على العلم بوجوده ، ولا (٢) خلق من يعلم وجود الرب (٢) ـ تعالى ـ فإن خرجت تلك الأدلّة عن كونها أدلّة ، فلم تكن أدلّة لذواتها ؛ بل لنظر النّاظر فيها.
وإن (٣) بقيت أدلّة بحالها : فالدّليل مضايف للمدلول. فلو كان ـ مدلولها هو العلم بالوجود ؛ لاستحال العلم بالوجود مع عدم العالم المستدل ؛ فكان الدليل بلا مدلول ؛ وكل ذلك محال.
الشبهة الخامسة عشرة : أن النّظر الصحيح : إما أن يوجب حالا للناظر ، أو لا يوجب. والأول : محال ؛ إذ النّظر الصّحيح مجموع أفكار مختلفة الأجناس ، مفضية إلى العلم بالمنظور فيه ، والموجب للحال (٤) لا يكون مختلف الجنس.
وإن كان الثانى : فهو خلاف ما يجده العاقل من نفسه من الأحوال المختلفة باختلاف النّظر الصحيح ، والفاسد. وإذا بطل القسمان ؛ فالنظر الصّحيح ممتنع.
__________________
(١) القائلون بالتضمن هم الأشاعرة ،
أما القائلون بالتولّد فهم المعتزلة ،
والقائلون بالوجوب هم الفلاسفة. انظر ما يأتى ل ٢٣ / ب.
(٢) في ب (ولا يخلق من يعلم وجوده).
(٣) في ب (فإن).
(٤) في ب (بالحال).