الفصل الرابع
في كيفية لزوم العلم بالمنظور فيه عن النظر الصحيح
ولا خلاف عند القائلين بالنظر في لزوم العلم بالمنظور فيه عن النّظر الصحيح (١) غير أن منهم من قال : النّظر الصّحيح (٢) موجب للعلم (٢) بالمنظور فيه
وهو خطأ ؛ فإن الموجب لا بدّ وأن يكون متحققا مع الموجب. والنّظر مضاد للعلم بالمنظور فيه ، (٣) كما عرف في قاعدة العلم (٣) ، فلا يكون معه ؛ فلا يكون موجبا له.
وإن فسّر معنى الإيجاب : بما لا يفتقر فيه إلى الوجود مع الوجود ؛ فحاصل النزاع معه في العبارة.
وقالت المعتزلة : (٤) النظر مولّد للعلم بالمنظور فيه. ومنعوا أن يكون تذكّر النظر مولدا له ؛ إذ التذكّر قد يقع بطريق الضّرورة من غير كسب بفعل الله ـ تعالى ـ ، فلو كان التذكّر مولدا للعلم بالمنظور فيه ؛ لكان العلم به من فعل فاعل السبب وهو التذكر.
ويلزم من ذلك ارتفاع التكليف بالمعارف النظرية ؛ إذ هو تكليف بفعل الغير ، وهو قبيح على أصولهم. بخلاف النظر ؛ فإنّه مقدور للناظر.
وطريق (٥) الرد عليهم يأتى في إبطال التولد إن شاء الله ـ تعالى ـ (٦)
ثم ما ذكروه في امتناع تولد العلم بالمنظور فيه عن تذكّر النّظر ؛ يوجب امتناع حصول العلم بالمنظور فيه عن تذكر النظر ؛ لأنه لو حصل العلم به : فإما أن يكون متولدا عنه ، أو لا يكون متولدا عنه. والتولد لا يقولون به.
وإن لم يكن متولدا : فإما أن يكون واقعا ضروريا ، أو مكتسبا :
فإن كان الأول : فالتكليف به يكون ممتنعا ؛ وهو ممتنع على أصولهم.
__________________
(١) انظر الإرشاد ص ٦ ، ٧ وشرح الطوالع ص ٣١ ، ٣٢ وشرح المواقف ص ١٠٧ ـ ١١٠ وشرح المقاصد ص ٢٧ ـ ٣١.
(٢) في ب (يوجب العلم) والقائلون بالإيجاب هم الفلاسفة.
(٣) ساقط من ب انظر ل ١٥ / أ.
(٤) انظر المغنى ١٢ / ٧٧ للقاضى عبد الجبار.
(٥) في ب (بطريق).
(٦) انظر ل ٢٧٣ / أو ما بعدها.