الفصل الخامس
في أن النّظر الفاسد لا يتضمّن الجهل (١)
والنظر الفاسد : وهو ما لم يعلم (٢) فيه وجه (٢) دلالة الدليل على المدلول ـ على ما حققناه (٣) ـ لا يتضمّن الجهل : وهو اعتقاد (٤) الشيء على خلاف ما هو عليه.
وقال بعض الفقهاء (٥) : النّظر في الشبهة مع عدم العلم بوجه دلالة الدليل يتضمن الجهل.
وربما أحتج على ذلك بأنّ من اعتقد أن العالم قديم ، وأنّ كل قديم واجب الوجود لذاته. فإن هذا النظر ـ مع فساده ـ يتضمن اعتقاد أن العالم واجب الوجود لذاته : أى يلازمه عند نفي الآفات ، وأضداد الاعتقاد : كما في النظر الصحيح. وإن كان جهلا ـ وهو غلط ـ فإنّ النظر الفاسد ، وإن لازمه الجهل على ما قيل ، فلا يلزم أن يكون النظر الفاسد يتضمنه ؛ إذ المراد بتضمن النظر للمطلوب : أن يكون الدليل المنظور فيه مع المطلوب على صفتين في ذاتيهما ، لا يتصوّر معهما الانفكاك بينهما ، مع انتفاء أضداد المطلوب ـ كما حققناه ـ وهذا هو الّذي نفيناه عن النظر الفاسد ، لا مطلق اللزوم وهو كذلك.
وبيانه : أن الشبهة المنظور فيها ، ليس لها لذاتها صفة ولا وجه يلازمه المطلوب ، بل الملازمة بينها وبين المطلوب ترجع إلى اعتقاد الناظر وجود صفة في الشبهة يلازمها المطلوب ، وهو مخطئ فيه. بخلاف الدليل ، فإنه لصفة ذاته على وجه يلازم النظر فيه العلم بالمطلوب.
__________________
(١) انظر الإرشاد ص ٦ ، ٧ والشامل للجوينى ص ٩٩ والمغنى ١٢ / ١٠٤ للقاضى عبد الجبار والمحصل ص ٢٩ للرازى وشرح المواقف ص ١٢٦ ـ ١٢٨ للجرجانى وشرح الطوالع للأصفهانى ص ٣١ ، ٣٢ وشرح المقاصد ص ٣١ للتفتازانى.
(٢) في ب (منه وجود).
(٣) انظر ل ١٦ / أ.
(٤) في ب (المعتقد).
(٥) انظر الشامل ص ٩٩ للجوينى.