الفصل السادس
فيما قيل (١) من أنّ النّظر ينقسم إلى خفي ، وجلى (١)
وقد ذهب بعضهم (٢) إلى أنّ : مراتب النّظر الصّحيح متفاوتة ، ومنقسمة إلى (٣) الخفي والجلى ، محتجا على ذلك (٣) بما تجده من سرعة بعض النظار إلى إدراك مقصده ، وبعد غيره ، وافتقار البعض إلى بحث (٤) أشدّ من بحث الآخر ، وذلك مختلف باختلاف المطلوب في قرب الإدراك وبعده. حتى إن النّظر في مسألة افتقار الممكن إلى محدث (٥) أقرب وأجلى من النظر في مسألة حدوث العالم ، وغيرها من المسائل الغامضة الدقيقة. وإطلاق العقلاء ، وأهل التحقيق ، شائع ذائع بقولهم : هذا نظر جلى ، وهذا خفي ؛ وهو بعيد عن التحقيق ، فإنّ النظر بحث يطلب به البيان ، وهو مضاد للبيان ، على ما تقدم في القاعدة الأولى (٦) ، وما يضاد البيان ؛ لا يكون موصوفا به ، وما لا يكون موصوفا بالبيان لا يقال : منه ما هو جلى ، وخفي ؛ إذ الجلاء ، والخفاء من صفات البيان. وسرعة بعض النظار في إدراك مقصده ، وبعد الآخر ؛ ليس بسبب تفاوت النظر في الجلاء والخفاء ؛ بل إنّما ذلك بسبب استناد النظر إلى الضّروريات وقلّة الوسائط المستندة إليها وكثرتها ، وطول الزمان وقصره ، أو بسبب التفاوت في كلال القريحة ، والقوى الدراكة في البحث عن وجه دلالة الدليل.
وبالنظر إلى الاحتمال الأول : كان قرب حصول بعض المطلوبات دون البعض. وعليه يجب حمل الإطلاق بانقسام النظر إلى الجلى ، والخفي.
أما أن يكون أحد النظرين أبين في نفسه من النّظر الآخر ؛ فلا.
وإن أطلق الجلاء والخفاء باعتبار ما حققناه ؛ فالمنازعة في اللفظ دون المعنى.
__________________
(١) في ب (إن النظر ينقسم إلى جلى ، وخفي). انظر طوالع الأنوار ص ٣١ ، ٣٢.
(٢) وقد وضح إمام الحرمين هذا البعض بأنهم بعض المنتمين إلى الأصوليين ، وأسهب في الرد عليهم في الشامل ص ١٠١ ـ ١٠٥ وما هنا قد يكون مختصرا لما أورده إمام الحرمين في الشامل.
(٣) في ب (الجلى والخفي محتجا إلى ذلك).
(٤) في ب (أبحاث).
(٥) في ب (المحدث).
(٦) انظر ل ١٥ / أ.