الفصل السابع
في وجوب النظر (١)
أجمع أكثر أصحابنا ، والمعتزلة ، وكثير من أهل الحق من المسلمين ، (٢) على أن النظر (٢) المؤدى إلى معرفة الله ـ تعالى ـ واجب.
غير أن مدرك وجوبه عندنا : الشرع. خلافا للمعتزلة في قولهم : إن مدرك وجوبه : العقل ، دون الشرع.
وقد احتج أصحابنا على وجوبه من جهة الشرع بمسلكين :
المسلك الأول : التمسك / بظواهر النّصوص الدّالة على وجوب النظر.
منها قوله ـ تعالى ـ : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣).
ومنها قوله ـ تعالى ـ : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (٤).
أمر بالنظر ، والأمر ظاهر في الوجوب.
وأيضا : لما نزل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٥) ، قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «ويل لمن لاكها بين لحييه ولم يتفكّر (٦) فيها» تواعد بترك الفكر والنظر فيها ؛ وهو دليل الوجوب. إلى غير ذلك من الأدلّة. وموضع معرفته : أن صيغة افعل : للأمر ، وأنّ الأمر للوجوب ؛ فلا يفي بأصول الفقه. وعلى كل تقدير ؛ فهى غير خارجة عن الحجج الظاهرية ، والأدلة الظنية.
__________________
(١) انظر المغنى ج ١٢ ص ٣٤٧ ـ ٥٣٣ وشرح الأصول الخمسة ص ٦٦ ـ ٧٠ والمحيط بالتكليف ص ٢٦ ـ ٣٢ للقاضى عبد الجبار. وانظر أصول الدين ص ٣١ ـ ٣٢ للبغدادى. والشامل ص ١١٥ ، ١٢٠ والإرشاد ص ٨ ـ ١١ للجوينى والمحصّل ص ٢٨ للرازى. وشرح الطوالع للأصفهانى ص ٣٣ ـ ٣٥ ثم قارن بشرح المواقف ص ١١١ ـ ١٢٣ للجرجانى وشرح المقاصد ص ٣٣ للتفتازانى.
(٢) في ب (ان اللفظ).
(٣) سورة يونس ١٠ / ١٠١.
(٤) سورة الروم ٣٠ / ٥٠.
(٥) سورة آل عمران ٣ / ١٩٠.
(٦) روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : لما نزلت هذه الآية على النبي صلىاللهعليهوسلم قام يصلى ، فآتاه بلال يؤذنه بالصلاة فرآه يبكى. فقال : يا رسول الله : أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال : يا بلال : أفلا أكون عبدا شكورا. ولقد أنزل الله عليّ الليلة آية : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ.) ثم قال : «ويل لمن قرأها ، ولم يتفكر فيها» [تفسير القرطبى ٤ / ٣١٠].