المسلك الثانى : هو أنهم قالوا : أجمعت الأمة (١) من المسلمين على وجوب معرفة الله ـ تعالى ـ ؛ ووجوب معرفة الله ـ تعالى ـ لا يتم إلا بالنظر ـ إذ هو غير بديهى ـ وكل ما لا يتم الواجب إلا به ؛ فهو واجب ؛ فالنظر واجب (٢).
وهذا هو المعتمد (٣) عند جمهور الأصحاب ، وترد عليه إشكالات :
الأول : أن وجوب المعرفة متوقف على إمكان المعرفة ؛ وهى غير ممكنة ؛ لأنها لو كانت ممكنة : فإما (٤) أن تكون ضرورية ، أو نظرية.
والأول : محال. فإنه لو خلى الإنسان ، ودواعى نفسه من مبدأ نشوه (٥) من غير نظر ؛ لم يجد من نفسه [العلم (٦) بذلك أصلا] (٦) ؛ وليس الضرورى كذلك.
والثانى : فمتوقف على إمكان إفضاء النظر إلى العلم ؛ وهو ممتنع كما (٧) سبق في إنكار (٧) النظر.
سلمنا إمكان المعرفة ؛ ولكن لا نسلم إمكان وجوبها شرعا ؛ فإن الإيجاب الشرعى ؛ إنما يكون بإيجاب الله ـ تعالى ـ وإيجابه بأمره.
وهو : إما أن يكون أمرا للعارف بالله ـ تعالى ـ ، أو لغيره.
الأول : محال ؛ لما فيه من الأمر بتحصيل الحاصل.
والثانى : محال ؛ لأن معرفة أمره متوقّفة على معرفته في نفسه ؛ فإن من لا يعرف الآمر ؛ لا يعرف أمره.
فإذن إيجابه يتوقف على معرفته ، ومعرفته تتوقف على معرفة إيجابه ؛ فيكون دورا.
سلمنا إمكان وجوب المعرفة شرعا ؛ ولكن لا نسلم الوقوع.
__________________
(١) عن مستند الإجماع وبيان حقيقته ، وما يتعلق به من المسائل. انظر الإحكام للآمدى ص ١٤٧ ـ ٢٠٩ ومنتهى السئول في علم الأصول ـ له أيضا ص ٤٩ ـ ٦٧. وما ورد في غاية المرام ص ٣٦٤ ـ ٣٩٠.
(٢) زائد في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).
(٣) في ب (المعنى المعتمد عليه).
(٤) في ب (لم يخل إما).
(٥) في ب (النشو).
(٦) في أ (بذلك العلم أصلا).
(٧) في ب (لما سبق في إمكان). انظر ل ١٩ / أ.