فالجواب عن الإشكال الأول : بانعقاد الإجماع على الوجوب ؛ وهو دليل الإمكان. وما ذكروه في إبطال النظر ؛ فقد سبق جوابه في (١) موضعه.
وعن الثانى : منع توقف الوجوب ، على معرفة الآمر والأمر ؛ بل الوجوب يتحقق ، والشرع يستقر ، بإمكان المعرفة [بالعقل (٢)] الهادى ، والأدلة المنصوبة على ذلك.
وعن الثالث : بوقوع الإجماع ، على وجوب الصلوات الخمس ، وصوم رمضان ، واتفاق الأمة على أنهم مكلفون ، متعبدون باتباع أوامر الله ـ تعالى ـ ونواهيه ؛ ولو كان غير متصور ؛ لما وقع.
وعدم اتفاقهم على أكل طعام واحد ، في يوم واحد ؛ إنما امتنع عادة ؛ لعدم الصارف لهم إليه بخلاف الأحكام الشرعية / ؛ فإن الصّارف لهم إليها اتّباع الحقّ ، والنّصوص المضبوطة الواردة عن النّبي عليه الصلاة والسلام في ذلك.
وعن الرابع : ببيان كونه حجة ؛ وذلك بما ورد عن النبي عليهالسلام من الألفاظ المختلفة ، المتفقة المعنى ، في الدلالة على شرف هذه الأمة ، وعصمتهم عن الخطأ ؛ بحيث أوجب مجموعها العلم الضرورى بذلك ؛ لنزولها منزلة التواتر ، وإن كانت آحادها غير متواترة ؛ كالأخبار الموجبة علمنا بسخاء حاتم ، وشجاعة عنترة ، وإن كانت آحادها غير متواترة ؛ وذلك ما نقل عنه عليه الصلاة والسلام ، أنه قال : «لا تجتمع أمّتى على الخطأ» ، «لا تجتمع أمّتى على الضّلالة» و «لم يكن الله بالذى يجمع أمتى على الضلالة». و «سألت الله ألّا يجمع أمتى على الضّلالة فأعطانيه» (٣) ، و «من سرّه بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة» وقوله : «يد الله على الجماعة (٤)».
__________________
(١) انظر ل ١٩ / أوما بعدها.
(٢) في أ (والعقل).
(٣) ما ورد هاهنا جزء من حديث عن أبى نضرة الغفارى رضى الله عنه ونصه : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «سألت ربى أربعا ، فأعطانى ثلاثا ومنعنى واحدة. سألته أن لا يجمع أمتى على ضلالة ؛ فأعطانيها. وسألته أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ، ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها. [مسند الإمام أحمد ١٠ / ٢٧٢٩٣].
(٤) ما أورده الآمدي جزء من حديث ورد عن عرفجة بن جريج الأشجعى في سنن النسائى ٢ / ١٦٦ (كتاب التحريم ـ باب قتل من فارق الجماعة) ونصه فيه «عن عرفجة بن جريج الأشجعى قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم على المنبر يخطب الناس فقال : إنه سيكون بعدى هنات وهنات : فمن رأيتموه فارق الجماعة ، أو يريد يفرق أمة محمد صلىاللهعليهوسلم كائنا من كان فاقتلوه ؛ فإن يد الله على الجماعة ، فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض».