أما المقدمة (١) :
فهو أن كل شيء : إما أن ينظر إليه من جهة ذاته ونفسه ، أو من جهة نسبته إلى غيره ؛ نفيا ، أو إثباتا.
فإن كان الأول : فالعلم به يسمى تصوريا : كعلمنا بمعنى الجوهر ، والعرض ، ونحوه.
وإن كان الثانى : سمى العلم به تصديقيا : كعلمنا بأن العالم حادث ، وأن الصانع موجود ، وأنه ليس محدثا.
والعلم بكل واحد من هذين القسمين (٢) : إما أن يكون ضروريا مطلقا ، أو نظريا مطلقا ، أو البعض ضرورى ، والبعض نظرى.
الأول ، والثانى : باطلان ؛ لما تقدم فى قاعدة العلم (٣).
فلم يبق إلا الثالث : وهو أن يكون البعض من كل واحد منهما ضروريا ، والبعض نظريا ، وكل واحد من النظريين منهما ، لا بد له من طريق يتوصل بصحيح النظر فيه إليه ، وإلا لما كان العلم به نظريا ؛ وهو خلاف الفرض.
لكن ما كان من هذه الطرق موصلا إلى التصور يسمى حدا ، وما كان موصلا إلى التصديق يسمى دليلا ، ولا يوصل أحدهما إلى ما يوصل إليه الآخر البتة ؛ فلا جرم دعت الحاجة إلى تحقيق كل واحد منهما ، ولنرسم فى ذلك بابين :
__________________
(١) قارن بشرح المواقف ١ / ١٣١ ـ ١٣٢ للجرجانى ، وشرح المقاصد ١ / ٣٧ للتفتازانى.
(٢) ساقط من (ب).
(٣) انظر ل ٤ / ب.