الفصل الأول
فى أن الحدّ يرجع إلى قول الحادّ ، أو إلى صفة المحدود.
وقد (١) اختلف أئمتنا فى ذلك :
فذهب أكثرهم : إلى أن الحد راجع إلى نفس المحدود ، وصفته فى نفسه ، فالحدّ والحقيقة عندهم بمعنى واحد ؛ ولهذا قالوا : / الحد هو حقيقة الشيء ، ومعناه.
وذهب القاضى : إلى أنّ الحد راجع إلى قول الحاد المنبئ عن حقيقة المحدود وصفته. معتمدا فى ذلك على أنه (٢) : لو كان الحدّ هو الحقيقة ؛ لصدق إطلاق الحد ، على كل ما يصدق عليه إطلاق الحقيقة.
وهو غير مطرد فى حق الله ـ تعالى ـ ؛ حيث يقال له حقيقة ، ولا يقال له حد (٣). والحق فى ذلك : أن الحدّ فى اللغة ، عبارة عن المنع ، ومنه يقال للبوّاب حدّاد ؛ لمنعه بعض الناس عن الدخول ، وللحديد حديد ؛ لامتناع تفككه بسهولة. وللعقوبات حدود ؛ لافضائها إلى المنع من الإقدام على الجنايات.
وعند ذلك فلا يخفى صحة إطلاق الحد لغة : على حقيقة الشيء ، من حيث إنها حاصرة له مانعة من دخول غيره فيه ، والقول المعبر عن الحقيقة أيضا ، مطابق لها ؛ فيكون مشاركا لها فى المنع من دخول ما خرج عن الحقيقة فيها ؛ فلا يمتنع أيضا إطلاق اسم الحد عليه لغة ، ولا معنى لتصويب أحد القولين ، وإبطال الآخر من جهة اللغة ، وامتناع إطلاق اسم الحد على الله ـ تعالى ـ وجواز إطلاق الحقيقة عليه ، مما لا يدل على امتناع كون الحقيقة حدّا بالمعنى اللغوى ، وإن امتنع إطلاق ذلك شرعا ؛ لعدم ورود الشرع به ، أو لوروده بالمنع منه ؛ لكن مع هذا كله ، ليس المقصود البحث (٤) عن معنى الحد لغة ؛ بل البحث عن الحد الّذي هو طريق تعريف الحقيقة ، بالكشف (٥) عنها ؛ وذلك لا يكون بنفس الحقيقة ؛ بل بما هو خارج عنها وهو دليل عليها ؛ وذلك هو القول ؛ فليكن البيان مختصا به.
__________________
(١) فى ب (فقد).
(٢) فى ب (إن).
(٣) زائد فى ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).
(٤) ساقط من (ب).
(٥) فى ب (والكشف).