الفصل الثانى
فى أن الدليل العقلى مركب من مقدمتين ، ولا يزيد عليهما.
واعلم أن المطلوب التصديقى : لا بدّ فيه من نسبة بين أمرين. إيجابا ، أو سلبا ؛ فالمنسوب ، والمنسوب إليه ، هما جزءا المطلوب.
وعند ذلك : فالدليل العقلى الموصل إليه ، لا بدّ وأن يكون سابقا فى المعرفة عليه. فإنه لو كان العلم به ، مع العلم بالمطلوب ؛ لم يكن تعريف أحدهما بالآخر ، أولى من العكس.
ولو كان متأخرا فى المعرفة ؛ كان فيه تعرف المعلوم بالمجهول ؛ وهو (١) محال (١). ولا يكفى أى معلوم سابق اتفق ، وإلا كان كل معلوم سابق ، يوصل إلى كل مجهول ؛ وهو محال ،
بل لا بدّ ، وأن يكون مناسبا للمطلوب.
ولا يكفى أن يكون معلوما واحدا ؛ فإن المعلوم الواحد المناسب : إما أن يكون مناسبا لكل المطلوب ، وإما لنقضه ، وإما لجزء المطلوب.
فإن كان مناسبا لكل المطلوب : كما لو كان مطلوبنا أنّ النهار موجود ، فقلنا : إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود ؛ فالمناسب للمطلوب طلوع الشمس.
ولا (٢) يكفى ذلك فى المطلوب ، دون استثناء عين ملزومه ؛ وهو أن يقول : لكن الشمس طالعة ؛ فيلزم أن يكون النهار موجودا ؛ وهما مقدمتان ، لا يتم المطلوب دونهما ؛ ولا يفتقر إلى غيرهما.
وإن كان مناسبا لنقيض المطلوب : كما لو كان مطلوبنا : أن الشمس ليست طالعة. فقلنا : إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود ؛ فالمذكور إنما هو نقيض المطلوب : وهو طلوع الشمس. والمناسب له وجود النهار. ولا يكفى ذلك فى المطلوب دون استثناء نقيض لازم نقيض المطلوب : وهو أن النهار ، ليس بموجود ؛ فيلزم منه انتفاء ملزومه ؛ وهو طلوع الشمس ؛ وهو عين المطلوب ، من غير حاجة إلى مقدمة أخرى.
__________________
(١) ساقط من (ب).
(٢) فى ب (ولا يكون).