وأيضا : فإنه ليس كل جملتين تفاوتتا بأمر متناه ، تكونا متناهيتين ؛ فإن عقود الحساب مثلا ، لا نهاية لأعدادها. وإن كانت الأوائل أكثر من الثوانى ، بأمر متناه ، وهذه الأمور ، وإن كانت تقديرية ذهنية ، فلا خفاء أن وضع القياس المذكور فيها على نحو وضعه في الأمور الموجودة بالفعل ؛ فلا يتوهمن الفرق واقعا من مجرد هذا الاختلاف.
والقول بأن ما زادت به إحدى الجملتين على الأخرى ، لا بدّ وأن يكون له نسبة إلى الباقى (١) ؛ غير مسلم. ولا يلزم من قبول المتناهى لنسبة المتناهى إليه ، قبول غير المتناهى لنسبة المتناهى إليه.
وأما المتكلم : فله في إبطال القول بعدم النهاية طرق :
الأول (٢) :
ما أسلفناه من الطريقة المذكورة ، ويلزم عليه ما ذكرناه ، ما عدا التناقض اللازم للفيلسوف ، من (٣) ضرورة اعتقاد (٣) عدم النهاية فيما ذكرناه من الصور ، وعدم اعتقاد المتكلم لذلك ، غير أن المناقضة لازمة للمتكلم من جهة اعتقاده عدم النهاية في معلومات الله تعالى ، ومقدوراته ، مع وجود ما ذكرناه من الدليل الدّال على وجوب النهاية فيها.
وما يقال من أن المعنى بكون المعلومات ، والمقدورات غير متناهية ؛ صلاحية العلم ؛ لتعلقه بكل ما يصح أن يعلم ، وصلاحية القدرة لتعلقها بكل ما يصح أن يوجد ، وما يصح أن يعلم ويوجد غير متناه ؛ لكنه من قبيل التقديرات الوهمية ، والتجويزات الإمكانية ؛ وذلك مما لا يمتنع كونه غير متناه عندنا ؛ بخلاف الأمور الوجودية ، والحقائق العينية ؛ فلا أثر لها في القدح أيضا ؛ فإن هذه الأمور وإن لم تكن من موجودات الأعيان ؛ غير أنها متحققة في الأذهان. ولا يخفى أن نسبة ما فرض استعماله فيما له وجود ذهنى ، على نحو استعماله فيما له وجود عينى.
الطريق الثانى (٤) :
قوله : لو وجد أعداد لا نهاية لها. لم تخل : إما أن تكون شفعا ، أو وترا ، أو شفعا ووترا معا ، أو لا شفع ، ولا وتر.
__________________
(١) فى ب (الثانى)
(٢) انظر الاقتصاد في الاعتقاد ص ١٧ ـ ١٩ ، غاية المرام ص ١١ ، والمآخذ ل ٨٠ أ. وانظر درء التعارض لابن تيمية ٣ / ٤٤ حيث ينقل ما أورده الآمدي هنا بنصه.
(٣) فى ب (ضرورة اعتقاده)
(٤) قارن الاقتصاد في الاعتقاد للغزالى ص ١٧ ، ١٨
وانظر غاية المرام للآمدى ص ١١ وانظر درء التعارض لابن تيمية ٣ / ٤٧ ، ٤٨ حيث ينقل ما أورده الآمدي هنا بنصه ـ ثم يرد عليه في ٣ / ٤٨ وما بعدها.