الثالث : سلمنا أن الوجود حاصر لكل واحد من آحاد الجملة ؛ ولكن لا نسلم أن الحكم على الآحاد يكون حكما على الجملة ؛ ولهذا يصدق أن يقال لكل واحد من آحاد الجملة ، أنه جزء الجملة ، ولا يصدق / على الجملة أنها جزء الجملة.
الطريق الرابع (١) :
أنه لو وجد علل ، ومعلولات لا نهاية لها ، فما من وقت يقدر إلا والعلل والمعلولات منتهية إليه ؛ وانتهاء ما لا يتناهى محال.
وهو غير سديد أيضا ؛ فإن الانتهاء من أحد الطرفين ـ وهو الأخير ـ وإن سلمه الخصم ، فلا يوجب النهاية في الطرف الآخر ، ثم يلزم عليه عقود الحساب ، ونعيم أهل الجنة ، وعذاب أهل النار ؛ فإنه وإن كان متناهيا من طرف الابتداء ؛ فغير متناه إمكانا في طرف الاستقبال.
والأقرب في ذلك أن يقال :
لو كانت العلل ، والمعلولات غير متناهية ، وكل واحد منها ممكنا على ما وقع به الفرق (٢) فهى : إما متعاقبة ، أو معا (٣).
فإن كانت متعاقبة : فقد قيل إن ذلك محال لوجوه (٤) ثلاثة (٤) :
الأول : هو أن كل واحد منها يكون مسبوقا بالعدم ، والجملة مجموع الآحاد ؛ فالجملة تكون مسبوقة بالعدم ، وكل جملة مسبوقة بالعدم ؛ فلوجودها أول تنتهى إليه ، وكل ما لوجوده أول ينتهى إليه ؛ فالقول بكونه غير متناه محال.
الثانى : هو أن كل واحد منها يكون مشروطا في وجوده بوجود علته قبله ؛ فلا يوجد حتى توجد علته ، وكذلك الكلام في علته بالنسبة إلى علتها ، وهلم جرا.
فإذا قيل بعدم النهاية ؛ فقد تعذر الوقوف على شرط الوجود ، فلا وجود لواحد منها. وهذا كما إذا قيل : لا أعطيك درهما إلا وقبله درهم ؛ فإنه لما كان إعطاء الدرهم مشروطا
__________________
(١) قارن بالإرشاد ص ٢٦ ، والاقتصاد ص ١٨ ، وغاية المرام ص ١٢
ودرء التعارض لابن تيمية ٣ / ٥٢ حيث ينقل ما أورده الآمدي هنا بنصه.
(٢) فى ب (الفرض)
(٣) فى ب (أولا)
(٤) فى ب (لثلاثة أوجه)