وإن كان الثانى : فجملة العلل ، والمعلولات مسبوقة بالعدم ؛ ضرورة أن لا شيء منها في الأزل ، ويلزم من ذلك أن يكون لها ابتداء ونهاية ، غير متوقف على سبق غيره عليه ؛ وهو المطلوب (١).
وأما إن كانت العلل ، والمعلولات المفروضة موجودة معا : ولا يخفى أن النظر إلى الجملة غير النظر إلى كل واحد من آحادها ؛ فإن حقيقة الجملة ، غير حقيقة كل واحد من الآحاد.
وعند ذلك : فالجملة موجودة : وهى إما أن تكون واجبة لذاتها ، أو ممكنة.
لا جائز أن تكون واجبة : وإلا لما كانت آحادها ممكنة ـ وقد قيل إنها ممكنة كما سبق ـ ثم وإن كانت واجبة ؛ فهو مع الاستحالة ، عين المطلوب.
وإن كانت ممكنة : فلا بد لها من مرجح ، والمرجح : إما أن يكون داخلا فيها ، أو خارجا عنها.
لا جائز أن يقال بالأول : فإن المرجح للجملة مرجح لآحادها. ويلزم أن يكون مرجحا لنفسه ؛ ضرورة كونه من الآحاد ، ويخرج بذلك عن أن يكون ممكنا ؛ وهو خلاف الفرض ، وأن يكون مرجحا لعلته ؛ لكونها من الآحاد. وفيه جعل العلة معلولا ، والمعلول علة ؛ وهو دور ممتنع.
وإن كان المرجح خارجا عنها : فهو إما ممكن ، أو واجب.
فإن كان ممكنا : فهو من الجملة ؛ وهو خلاف الفرض ؛ فلم يبق إلا أن يكون واجبا لذاته ؛ وهو المطلوب.
فإن قيل : سلمنا أن الموجود المفروض ممكن ، وأن الوجود والعدم عليه جائزان ؛ ولكن لا نسلم احتياجه إلى المرجح في وجوده.
وبيانه من أحد عشر وجها :
[الوجه] (٢) الأول : أنه لو احتاج إلى / المؤثر في وجوده ؛ فتأثير المؤثر في الوجود : إما في حال وجوده ، أو في حال عدمه.
__________________
(١) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية في : درء التعارض بين العقل والنقل ٣ / ٤٠ ـ ٥٦.
(٢) ساقط من (أ)