يختلف شاهدا ، ولا غائبا ؛ ويلزم من كونه حيا ؛ أن يكون سميعا ، بصيرا ، متكلما ، فإن من لم يثبت له هذه الصفات من الأحياء ، فهو متصف بأضدادها ، كالعمى ، والطرش ، والخرس ؛ على ما عرف في الشاهد أيضا ، والإله تعالى يتقدس عن الاتصاف بهذه الصفات.
قالوا : وإذا ثبتت هذه الأحكام ؛ فهى في الشاهد معللة بالصفات ، فالعلم في الشاهد ؛ علة كون العالم عالما ، والقدرة ؛ علة كون القادر قادرا ، وعلى هذا النحو في باقى الصفات ، والعلة لا تختلف شاهدا ، ولا غائبا.
وأيضا : فإن حدّ العالم في الشاهد ؛ من قام به العلم ، والقادر / من قامت به القدرة ، وعلى هذا النحو ، والحد أيضا لا يختلف لا شاهدا ، ولا غائبا.
وأيضا : فإن شرط العالم في الشاهد ؛ قيام العلم به ، وكذلك في القدرة وغيرها ، والشرط لا يختلف شاهدا ، ولا غائبا (١).
وأعلم أن هذه الحجة : مما يضعف التمسك بها جدا ؛ فإن حاصلها يرجع إلى الاستقراء في الشاهد ، وإلحاق الغائب بالشاهد بقياس التمثيل ، وقد سبق إبطاله في الفصل السابع (٢) من الباب الثانى في الدليل (٢).
والّذي نريده هاهنا ، أن نقول :
القياس هاهنا يعترف بالتفاوت بين صفات الغائب ، والشاهد ، حتى أن القدرة في الشاهد لا يتصور بها عنده الإيجاد بخلاف القدرة في الغائب ، وكذلك الإرادة في الشاهد ، لا يتصور بها التخصيص ، بخلاف الإرادة في الغائب. وعلى هذا النحو في باقى الصفات. فإذن ما وجد في الشاهد غير موجود في الغائب ، وما وجد في الغائب غير موجود في الشاهد ؛ فلا يصح القياس.
__________________
(١) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية عن الآمدي ٤ / ٣٤ ثم علق عليه بقوله : «قلت : وهذه الطريقة مع إمكان تقريرها على هذا الوجه الخ» [درء تعارض العقل والنقل ٤ / ٣٤].
(٢) من أول (من الباب الثانى ..) ساقط من ب. انظر ل ٣٨ / أوما بعدها.