وأيضا : فإن التوصل من الصفات الإحكامية (١) فى حق الغائب ، إلى الصفات النفسانية يوجب أن تكون الصفات الإحكامية ، أعرف من الصفات النفسانية ، وإلا لما أمكن التوصل بها إلى معرفتها. وإذا كانت الصفات النفسانية ، أخفى فكيف [توجد (٢) في حد الصفات الإحكامية (٢)] وشرط المعرف ؛ أن يكون أعرف مما يعرف به.
ولما تخيل بعض الأصحاب (٣) ضعف هذه الطريقة ؛ لم يستند في إثبات أحكام الصفات عند ظهور الإتقان في الكائنات ، وكذا في إثبات الصفات عند ثبوت أحكامها ، إلى غير الضرورة ، ودعوى البديهية ، دون إلحاق الغائب الشاهد.
وهو بعيد أيضا ؛ فإن العلم الضرورى بذلك ، وإن كان واقعا في الشاهد جريا على العادة ، فإن من رأى بناء مرتفعا ، وصناعة محكمة في الشاهد ؛ اضطره عقله إلى العلم بعلم صانعه ، وقدرته ، وإرادته ، إلى غير ذلك من الصفات ، ولا يلزم مثله في الغائب ؛ وإلا لاطرد ذلك فيما نعلمه بالضرورة في الشاهد : من كون صانع البناء المحكم حيوانا ، متحركا بالإرادة ، مغتذيا ، ناميا ، مولدا ؛ وليس كذلك.
وأيضا : فإنه لو خلى الإنسان ، ودواعى نفسه من مبدأ نشوه ، إلى آخر عمره من غير التفات إلى نظر ، أو تقليد ؛ لم يجد من نفسه / العلم بذلك في حق الغائب أصلا. ولو كان بديهيا ؛ لما كان كذلك ، ولما خالف فيه أكثر العقلاء. وإن اكتفى في ذلك بمجرد الدعوى ؛ فقد تؤمن المقابلة بمثله في طرف النقيض. هذا كله بعد تسليم ثبوت أحكام لهذه الصفات ، وراء قيام الصفات بالذات ؛ وإلا فالاستدلال باطل.
والقول (٤) بأنه لو لم يكن متصفا بهذه الصفات مع كونه حيا ؛ لكان متصفا بما يقابلها ؛ فالتحقيق فيه يتوقف على بيان حقيقة المتقابلين ، وبيان أقسامهما ؛ فنقول :
أما المتقابلان : فما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة.
وهو إما أن لا يصح اجتماعهما في الصدق ، ولا في الكذب ، أو يصح ذلك في أحد الطرفين.
__________________
(١) عن الصفات الإحكامية انظر المبين ل ١٦ / أ ، ب حيث يقول (وأما الصفة الحكمية ويعبر عنها بالصفة المعللة ، فما كانت في الحكم بها على الذات تفتقر إلى قيام صفة أخرى بالذات ككون العالم عالما ، والقادر قادرا). ومن هذا البيان يتضح أن الصفات الحكمية ليست إلا نتائج ، أو أحكاما للصفات النفسية.
(٢) فى ب (يؤخذ في حد الصفات النفسانية) ، وفي (أ) (توجد في الصفات الإحكامية).
(٣) المقصود به الباقلانى. انظر نهاية الأقدام للشهرستانى ص ١٧٣ وانظر أيضا الإرشاد لإمام الحرمين ص ٦٢.
(٤) يرفض الآمدي أيضا هذا القول : وهو إثبات الصفات عن طريق نفى أضدادها. وقد قال به الأشعرى عند إثباته بعض الصفات. انظر اللمع ص ٢٥ ، ٢٦.