وما يمتنع تعليله ؛ ليس إلا ما كان واجبا بنفسه ، أو ممتنعا.
وهذا وإن كان واجبا ؛ فليس وجوبه بنفسه ؛ فلا يتجه به النقض.
وأيضا : فإن الخصم قد يسلم ثبوت هذه الأحكام للبارى تعالى ؛ ولكن على وجه تكون النسبة بينها ، وبين أحكام ذواتنا على نحو النسبة بين ذاته ، وذواتنا.
وعند ذلك ؛ فلا يلزم من تعليل أحد المختلفين تعليل الآخر ؛ وإن وقع الاشتراك بينهما في التسمية على ما لا يخفى. ولا يلزم عليه أن يقال. فما تذكرونه في العلة مع المعلول ، لازم لكم في الشرط مع المشروط ؛ حيث أنكم قلتم : إن البارى حىّ ؛ ضرورة كونه شرطا لكونه عالما ، وقادرا ، ومريدا في الشاهد. فما هو اعتذاركم في الشرط ؛ هو اعتذارنا في العلة. فإن الخصم قد لا يسلم أن طريق إثبات كونه حيا ، جهة الاشتراط ؛ بل غيره من الطرق.
كيف وأن البنية المخصوصة عنده شرط في الشاهد ، ومع ذلك لم نلتزم اطراد ذلك في الغائب ، فكيف يلتزم الاطراد في غيره؟
وإنما الطريق في الرد على المعتزلة فيما أوردوه أن يقال :
إن أردتم بكونها واجبة للبارى تعالى ، أنها لا تفتقر / إلى علة ؛ فهو المصادرة على المطلوب.
وإن أردتم أنه لا بدّ منها لواجب الوجود ؛ فذلك لا ينافى التعليل بالصفة.
والقول بأن التحيز للجوهر ، وقبوله للعرض في الشاهد لما كان واجبا ؛ لم يفتقر إلى علة : فمبنى على فاسد أصولهم في قولهم : إن هذه توابع الحدوث ، وتوابع الحدوث مما لا يدخل تحت القدرة ، ولا ينسب إلى فعل فاعل.
وهو غير صحيح عند أهل الحق ؛ بل كلما تخيل في الأذهان فما له وجود عينى [أصليا كان ، أو تابعا (١)] ؛ فهو مقدور لله تعالى ، ومخلوق له ، وليس شيئا مما يفرض في الشاهد واجبا لنفسه. اللهم إلا أن يعنى بكونه واجبا ، أنه لازم لما هو ثابت له على وجه لا تقع المفارقة بينهما أصلا ؛ لكن الواجب بهذا التفسير غير مانع من تعليله ؛ كما سبق.
__________________
(١) فى أ (كان أصليا أو تابعا).