وذهب أبو الهذيل العلاف (١) : إلى أن البارى ـ تعالى ـ عالم بعلم ؛ هو ذاته.
وذهب أبو الحسين البصرى ، وهشام (٢) بن الحكم : إلى أن اتصافه بكونه عالما بالجزئيات متجدد ، وبالكليات أزلى.
وذهب آخرون : إلى أنه لا يعلم ما لا نهاية له من المعلومات ؛ بل إنما يعلم ما كان متناهيا.
/ ثم إن من اعترف من الفلاسفة (٣). بكونه عالما بنفسه وبغيره ، انتهج في الاستدلال على ذلك منهجين :
المنهج الأول : أنه بيّن كون الرب تعالى عالما بذاته أولا ، ثم بين استلزام علمه بذاته ؛ لعلمه بغيره ثانيا.
فقال : واجب الوجود يعلم ذاته ، ويلزم من علمه بذاته علمه بغيره. أما أنه يعلم ذاته : فهو أن وجود واجب الوجود مجرد عن المادة ، وعلائقها : أى أنه ليس بجسم ، ولا جسمانى ؛ على ما يأتى تحقيقه. وكل ماهية مجردة عن المادة ، وعلائقها ؛ فهى عقل : إذ لا نعنى بالعقل إلا هذا. فواجب الوجود بما هو هوية مجردة : عقل. وبما يعتبر له أن ذاته له هوية مجردة : هو عاقل ذاته ؛ إذ لا معنى لتعقل الشيء لذاته إلا حصول ذاته المجردة لذاته ، وبما يعتبر له أن هويته المجردة لذاته : هو معقول. وإذا ثبت أنه عاقل
__________________
(١) أبو الهذيل العلّاف : محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدى المعروف بالعلاف (أبو الهذيل) يعتبر المؤسس الثانى لمذهب المعتزلة بعد واصل بن عطاء ، وهو شيخ الهذيلية التى نسبت إليه. ولد بالبصرة سنة ١٣١ ه وتوفى سنة ٢٣٥ ه. (وفيات الأعيان ٣ / ٣٩٦ والفرق بين الفرق ص ١٢١ والملل والنحل ١ / ٤٩) أما عن رأيه في العلم : فانظر الأصول الخمسة ص ١٨٣ ولمزيد من البحث والدراسة انظر ما سيأتى في الجزء الثانى ـ القاعدة السابعة ل ٢٤٤ / ب.
(٢) هشام بن الحكم الشيبانى بالولاء ، الكوفى ، أبو محمد : متكلم ، مناظر كان شيخ الإمامية في وقته. ولد بالكوفة ، وسكن بغداد في أيام الرشيد. حدثت بينه وبين أبى الهذيل مناظرات ، وتوفى حوالى سنة ١٩٠ ه.
(مقالات الإسلاميين ١ / ١٠٦ والفرق بين الفرق ص ٦٥ والملل والنحل ١ / ١٨٤) ولمزيد من البحث والدراسة انظر ما سيأتى في الجزء الثانى ـ القاعدة السابعة ل ٢٤٨ / أ.
أما عن رأيه في العلم : فانظر الأصول الخمسة ص ١٨٣.
(٣) من هؤلاء الفلاسفة : ابن سينا. انظر النجاة. طبعة الكردى ص ٢٤٣ ـ ٢٥١ والإشارات ٣ / ٢٠١ ـ ٢٠٦ طبع الحلبى.