وإذا لم يكن ذلك ممتنعا ؛ فلا معنى لكونه عالما بغيره إلا أن ماهيته المجردة مقارنة لغيره من الماهيات المجردة ، فكونه عالما بغيره ؛ غير ممتنع.
وإذا لم يكن ممتنعا : فإما واجب ، أو ممكن.
لا جائز أن يكون ممكنا : لعدم افتقار واجب الوجود إلى غيره مطلقا ؛ فلم يبق إلا أن يكون علمه بغيره واجبا ؛ ويلزم منه أن يكون عالما بذاته لما مضى.
وهذان المسلكان ضعيفان :
أما المسلك الأول : فمن أربعة أوجه :
الأول : أنه قد لا يسلم أن ذات واجب الوجود عقل.
قولهم : إن العقل هو الماهية المجردة عن المادة ، وعلائق (١) المادة (١) ، ليس كذلك ؛ بل العقل ضرب من العلوم الضرورية كما سبق (٢).
وذلك هو الّذي يحصل به العلم ؛ كما تقدم. والبارى ـ تعالى ـ ليست ذاته علما ؛ وإلا كان العلم قائما بنفسه ، وكان كل علم هكذا ؛ وهو محال.
وإن سمى مسم ما تجرد عن المادة وعلائقها عاقلا ؛ فلا منازعة في غير التسمية.
الثانى : أنه وإن كانت ذات واجب الوجود عقلا ؛ فلا نسلم أنه عالم بذاته.
قولهم : لأن ذاته حاصلة لذاته التى هى عقل ؛ فتكون ذاته معقولة لذاته. إنما يستقيم إطلاق القول بحصول ذاته ، لذاته مع المغايرة ؛ فإن حصول الشيء للشىء بنسبة ، وإضافة بين الشيئين. ومع عدم التعدد ؛ فالقضاء (٣) بالحصول محال.
الثالث : أنه وإن صح إطلاق القول بحصول الذات للذات ؛ فلا نسلم أن مطلق الحصول ؛ يوجب كون ذاته عالمة بذاته ؛ لأن حصول الذات ، للذات المسماة ؛ لا يوجب كونها معقولة له ؛ فإن حصول الذات للعقل أمر أعم من تعقل العقل لها ؛ فإن ذلك قد
__________________
(١) فى ب (وعلائقها.
(٢) انظر ل ١٧ / أ).
(٣) فى ب (فافضاء).