وأما غير المقدورة ؛ فلأنه لو لم يكن عالما ببعضها مع كونه قابلا للاتصاف بالعلم ؛ فيكون جاهلا ؛ إذ الجهل البسيط : هو عدم العلم فيما من شأنه أن يكون عالما ؛ وذلك على الله ـ تعالى ـ محال.
فإن قيل : لا نسلم العلم الاضطراري بكون الفاعل ـ إذا كان مختارا له عالما ـ يدل على ذلك : ما نجده من الصنائع المحكمة لبعض الحيوانات المختارة ، من غير علم : كنسج العناكيب ، وبناء النحل ، وغيره.
سلمنا أن العلم بذلك ضرورى : ولكن شاهدا ، أو غائبا.
الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.
ولا يلزم من الحكم بذلك شاهدا ؛ الحكم به غائبا ؛ وإلا للزم أن يكون أيضا متحركا بالإرادة ، وحساسا ، وجسما ، إلى غير ذلك من الأمور التى نعلمها بالضرورة لباقى ما شاهدناه من البناء المحكم ، والصناعة / المتقنة في الشاهد ؛ وليس كذلك.
سلمنا لزوم ذلك غائبا ؛ ولكن لا نسلم أن المفهوم من كونه عالما ؛ يزيد على المفهوم من ذاته.
قولكم : إنه يتصور العلم بالذات مع الجهل بكون مفهومها ، كونها عالمة ؛ غير مسلم ؛ بل الّذي يعلم إنما هو دلالة لفظ الذات على مسماه ، والّذي يجهل ، إنما هو دلالة قولنا عالم على مسماه : وأنه هل هو نفس الذات ، أو غيرها؟ وذلك لا يدل على اختلاف المعنى.
قولكم : يصح اتصاف الذات بكونها عالمة. مسلم ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على اختلاف المعنى ؛ بل جاز أن يكون المعنى واحدا. وإن كان اللفظ مختلفا كما نقول : الإنسان بشر ، والخمر عقار ، إلى غير ذلك من الألفاظ المترادفة.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على اختلاف المفهومين ؛ ولكن لا نسلم أنه أمر وجودى ؛ بل جاز أن يكون عدميا : كما ذهب إليه ضرار بن عمرو ، وبعض الفلاسفة (١). وما ذكرتموه وإن دل على كونه وجوديا ؛ لكنه معارض بما يدل على كونه عدميا ، وذلك أن
__________________
(١) انظر ل ٧٢ / ب.