وقد سار على نهجه صاحب المواقف ، ومعظم من أتى بعده من المتكلمين (١). والآمدي قد تحدث عن منهجه بالتفصيل في هذه القواعد الثلاثة ، كما التزم به ، وطبقه في القواعد الخمسة الباقية كما سيأتى. وبذلك أغنانا عن كثير من الجهود التى كنا سنبذلها في استخلاصه من كتابه.
فقد خصص القاعدة الأولى : للعلم وأقسامه. وتحدث فيها بالتفصيل عن حقيقته ، وأقسامه ، وأحكامه. وتعتبر هذه القاعدة مقدمة ضرورية للقاعدة الثانية : التى تحدث فيها : عن النظر ، وأقسامه ، وما يتعلق به بالتفصيل ، والتى يتضح منها أنّ الآمدي قد وثق في النّظر العقلى ، واعتبره الأساس الّذي تعتمد عليه أدلة معظم المسائل الكلامية.
أما القاعدة الثالثة : فقد تحدّث فيها بالتفصيل عن الطرق الموصلة إلى المطلوبات النظرية ـ ويتضح لنا من هذه القاعدة أن الآمدي قد ارتضى المنطق الصورى منهجا ، وطريقا للوصول إلى اليقين كما سيأتى.
وفي الفصل الأخير من هذه القاعدة ، حدد موقفه من بعض الأدلة التى استدل بها المتقدمون ، وحكم عليها بأنها غير مفيدة لليقين.
مما سبق يتضح لنا منهج الآمدي الّذي خصّص له القواعد الثلاث الأول من كتابه ، وأستطيع أن أقرر أن منهجه ، كان انعكاسا لثقافته المتعددة الجوانب. وأنه لهذا كانت له خصائصه ، ومميزاته التى أهلته لأن يكون منهجا لمن أتى بعده من المتكلمين. فما هى خصائص منهج الآمدي ، ومميزاته؟
خصائص منهج الآمدي ، ومميزاته :
١ ـ اعتمد الآمدي على النظر العقلى ، والدّليل الشرعى ، وحدّد لكل منهما مجاله ، واعتبرهما معا موصلين لليقين ، في كل المسائل الكلامية.
٢ ـ استخدم المنطق الصورى ، ووثق به ؛ غير أن ذلك لم يمنعه من مناقشة الفلاسفة ؛ والوقوف منهم موقف الخصومة في المسائل التى تتعارض مع الدين ؛ لأن المنطق عنده مجرد آلة.
__________________
(١) انظر شرح المواقف للجرجانى ١ / ٢٥ ط دار الطباعة العامرة باستانبول سنة ١٢٩٢ ه.