وعلى هذا فقد اندفع ما ذكروه من الظواهر الخبرية.
قولهم : الإجماع منعقد على أن القرآن معجزة الرسول.
قلنا : المراد به القراءة. وإلا فالإجماع منعقد على أن القرآن الحقيقى الّذي (١) كلام الرسول (١) حكاية عنه ليس معجزة للرسول ، وإنما الاختلاف فيما وراءه ، وهو أن ذلك القرآن ما هو؟
فنحن نقول : إنه المعنى القائم بالنفس. والخصم يقول : إنه حروف وأصوات أوجدها الله ـ تعالى ـ وعند وجودها انعدمت ، وانقضت ، وأن ما أتى به الرسول من العبارات ، وكذلك قراءتنا نحن ؛ ليس هو ذلك القرآن. وإنما هو دليل عليه. وهل يقال هو حكاية عنه إطلاقا؟ فذلك مما جوزه عبد الله بن سعيد ، وامتنع عنه الباقون من أصحابنا ؛ لأن الحكاية مشعرة بالمماثلة ، وما هذا شأنه ؛ فيتوقف إطلاقه على ورود الشرع به.
وعلى هذا منعوا من إطلاق القول : بأن لفظ القارئ بالقرآن مخلوق ؛ لأن اللفظ منبئ عن الطرح ، والإلقاء ، ولم يرد به الشرع / ؛ ولم يمنعوا من ذلك في قول القائل : لفظ القارئ بقراءته مخلوق.
وأما ما يذكرونه من المعنى ؛ فسيأتى الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأعلم أن التمسك بمثل هذا المسلك غير خارج عن الظنون ؛ فلا يكون مفيدا لليقين فيما المطلوب منه اليقين.
المسلك الثانى : قوله ـ تعالى ـ : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (٢) ووجه الدلالة منه : أنه أثبت له الخلق ، والأمر ، وفصل بينهما. ولو كان الأمر مخلوقا ؛ لما حسن الفصل بينهما ، ولكان معنى الكلام ألا له الخلق ، والخلق ؛ وهو ممتنع.
وهو من النمط الأول في عدم إفادة اليقين أيضا ؛ وذلك لأن الأمر المذكور مع الخلق ، وإن (٣) كان من الخلق (٣) ؛ إلا أن المفهوم من خصوص كونه أمرا يزيد على المفهوم من عموم كونه خلقا.
__________________
(١) فى ب (الّذي هو كلام الله ـ تعالى ـ وكلام الرسول).
(٢) سورة الأعراف ٧ / ٥٤.
(٣) من أول (وإن كان ...) ساقط من ب.