المسلك الرابع (١) :
قالوا : قد ثبت أن البارى ـ تعالى ـ عالم بالأشياء. ومن علم شيئا يستحيل أن لا يخبر عنه ؛ فالعلم بالشيء ، والخبر عنه متلازمان ؛ فلا علم إلا بخبر ، ولا خبر إلا بعلم.
وهو بعيد عن التحقيق أيضا ؛ فإن الخصم قد لا يسلم ملازمة الإخبار عن الشيء للعلم به ؛ فإن الإخبار عن الشيء يلازمه العلم به ضرورة. فلو لزم من كون الإخبار عن الشيء معلوما ، أن يخبر عنه ؛ لزم الإخبار عن الخبر الأول ، وهلم جرا ، إلى ما لا يتناهى ؛ وذلك مما يحسن من النفس بطلانه. ثم وإن قدر ملازمة الإخبار عن الشيء ، للعلم به ، ولكن الخبر الّذي هو عبارة عن العبارة ، أو عبارة عن معنى قائم بالنفس ، غير العلم بالشيء ، والإرادة له. الأول : مسلم ، ولكن لا يلزم أن يكون قائما بنفس البارى ـ تعالى ـ على مذهب هذا الدال ، والثانى : ممنوع.
ثم وإن سلم أن الخبر النفسانى يكون ملازما للعلم بالشيء ، ولكن مطلقا ، أو في حق الخالق دون المخلوق. الأول : ممتنع ؛ لما فيه من المصادرة على المطلوب ، والثانى : مسلم ؛ ولكن لا يلزم مثله في حق الرب (٢) ـ تعالى ؛ لجواز أن يكون الحدوث شرطا في الملازمة ، أو القدم مانعا منها.
المسلك الخامس (٣)
قالوا : البارى ـ تعالى ـ يجب أن يكون حيا ؛ لما سنبينه (٤) ، والحى قابل للكلام ، وكل ما قبل شيئا ، فإن خلا عنه ؛ فلا يتصور خلوه عن ضد من أضداده ، وأضداد الكلام من صفات النقص ، وذلك كالغفلة ، والبهيمية ، والخرس ، ونحوه ؛ فلا يكون البارى ـ تعالى ـ متصفا بها.
__________________
(١) نسب الشهرستانى هذا المسلك إلى الأسفرايينى انظر نهاية الأقدام ص ٢٦٩.
(٢) فى ب (البارى).
(٣) انظر اللمع للأشعرى ص ٣٦ ؛ حيث يورد الأشعرى هذا الدليل. ثم انظر نهاية الأقدام للشهرستانى ص ٢٦٨ ؛ حيث يذكر هذا المسلك ويسميه طريق الأشعرية.
ثم انظر الفصل لابن حزم ٣ / ٩.
(٤) فى ب (سيأتى). انظر ل ١١١ / أوما بعدها.