الثانى : أنه لو كان الفعل ضدا للفعل ، لما اجتمع في المحل الواحد عرضان مختلفان من حيث هما فعلان ؛ وهو محال.
ولا جائز أن لا يكون فعلا ، فإن ما ليس بفعل من الموجودات ليس إلا القديم وصفاته ـ تعالى ـ ؛ وهو قد يكون مضادا للأفعال لوجهين :
الأول : أنه كان يلزم امتناع وجودها معه ؛ وهو محال.
الثانى : أن التضاد بين القديم ، والأفعال الحادثة : إنما يكون باجتماعهما في محل واحد ؛ وهو غير متصور في حق القديم تعالى.
سلمنا أن الكلام ليس من صفات الأفعال ؛ ولكن مع ذلك يمتنع أن يكون له ضد ، وبيانه من وجهين :
الأول (١) : أنه لو كان للكلام ضد ؛ لكان مدركا بالإدراك الّذي يدرك به الكلام ، كما أن السواد لما كان ضدا للبياض ؛ كان مدركا بما به إدراك البياض ؛ وهو البصر ، وليس كذلك ؛ فإن الكلام مدرك بالسمع بخلاف أضداده.
الثانى : أنه لو كان للكلام ضد ، لتصور أن يتكلم المتكلم بضرب من الكلام. وإن قام به ضد ، بالنسبة إلى ضرب آخر حتى يقال : إنه متكلم أخرس معا. بالنسبة إلى ضربين : كالعلم ، والجهل ؛ فإنهما لما كانا متضادين صح أن يكون الواحد عالما ، جاهلا بالنظر إلى شيئين مختلفين ؛ وليس كذلك.
سلمنا أن للكلام ضدا ؛ لكن للكلام القائم بالمتكلم ، أو للكلام الّذي لم يقم به.
الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.
وعلى هذا فالخرس وغيره ، من أضداد الكلام ؛ إنما هو ضد لكلام المخلوقين / لقيامه به دون كلام الخالق ؛ لعدم قيامه به كما يأتى. وهذا هو مذهب النجار من المعتزلة. والّذي يدل على أن كلام الله ـ تعالى ـ لا ضد له على أصل الأشعرى أمران :
__________________
(١) فى ب (أحدهما).