الأول : أن الكلام عنده قديم ، وتقدير ضد للقديم محال ؛ لأنه إنما يجوز تقدير الضد فيما يجوز تقدير انتفائه ؛ وانتفاء القديم محال.
الثانى : أن الرب ـ تعالى ـ على أصله آمر بأشياء ، وغير آمر بأشياء يمكن أن يكون آمرا بها ، ولم يكن متصفا بضد الأمر فيما لم يأمر به عنده. وإذا جاز أن لا يكون متصفا بضد الأمر فيما لم يأمر به ، جاز أن لا يكون متصفا بضد الكلام مع إمكان تكلمه.
سلمنا أن الكلام له ضد مطلقا ، ولكن لم قلتم بامتناع الخلو عن جميع الأضداد؟ وبم الرد على (١) الصّالحى من المعتزلة في قوله بذلك؟
سلمنا استحالة الخلو ؛ ولكن متى يكون الخرس ، أو غيره (٢) صفة نقص (٢)؟ إذا كان الكلام صفة كمال ، أو إذا لم يكن؟ الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.
وذلك لأنه مهما لم يكن الكلام صفة كمال ؛ فلا يلزم أن يكون ضده صفة نقص ، ولم (٣) يثبتوا (٣) أن الكلام صفة كمال بالنسبة إلى الرب ـ تعالى ـ ؛ فلا يثبت أن أضداد الكلام من صفات النقص.
والجواب :
أما السؤال الأول : فمندفع ؛ فإنه إذا سلم جواز اتصاف كل حي بصفة الكلام ، فالكلام الّذي هو صفته :
إما العبارات المؤلفة من الحروف والأصوات ، كما يقوله الخصوم ، أو المعنى القائم بالنفس كما نقوله نحن.
وعلى كلا التقديرين : فله ضد ؛ فإن كل ما ينافى كلام النفس : كالغفلة ، والسهو ، والطفولية ، والبهيمية ، فهو ضد له ، إذ لا معنى للضد إلا هذا. وكل معنى يمنع من خطور الكلام في النفس مطلقا على وجه لا يوجد معه الكلام أبدا ؛ فهو المعنى بالخرس ، وليس
__________________
(١) الصّالحى :
صالح بن عمرو الصّالحى. شيخ الصّالحية التى نسبت إليه وهو من مرجئة القدرية.
(الملل والنحل ١ / ١٤٥).
(٢) فى ب (ونحوه صفة كمال).
(٣) فى ب (ومتى لم يثبتوا).