وأما الإشكال الثانى : فلأن اشتقاق الكاتب إنما هو من الكتابة ، وهى تحريك الأدوات والجوارح ، التى بعضها وضع الرقوم ، والحروف المتألفة الدالة. لا أنها نفس الرقوم الحادثة.
وعلى هذا فيمتنع تسمية الرب ـ تعالى ـ كاتبا ؛ لعدم صدور الكتابة عنه.
[وأما (١) قوله (١)] ـ تعالى ـ (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٢) : أى وعد (٣) بها ، وأوجبها (٣) على نفسه. وقوله ـ تعالى ـ : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (٤) معناه (٥) أوحينا ، وألزمنا (٥) ، وقوله : (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) (٦) : أى موجبون ، وملزمون. وقوله ـ عليهالسلام ـ : «كتب الله التوراة بيده» : أى ألزم حكمها بقدرته ، ومشيئته.
وأما / الإشكال الثالث : فمندفع أيضا ؛ فإنه يسمى المحل الّذي خلقت فيه الحياة حيا ، وذلك عين الاشتقاق من خصوص وصف الحياة.
وهذا المسلك أيضا من النمط المتقدم ؛ وذلك أنه لو قيل : لم قلتم إنه يلزم من قيام الكلام بالمحل أن يعود إليه منه وصف ، أو إضافة؟ لم يجدوا إلى ذلك سبيلا غير مجرد الدعوى ، أو القياس على بعض الصفات ؛ وهو غير لازم ؛ لجواز أن يكون ذلك لخصوص تلك الصفة ، أو أن خصوص ما نحن فيه مانع.
والمعتمد (٧) فى ذلك أن يقال (٨) :
أجمع أهل الملل قاطبة على وقوع البعثة ، وتبليغ الرسل إلى الكافة أنواع التكاليف : بالأوامر ، والنواهى ، والإعلام بما أخبر الله ـ تعالى ـ به مما كان ، وما سيكون ، وأنهم حاكمون مبلغون عن الله ـ تعالى ـ ذلك. ولو لم يكن لله ـ تعالى ـ كلام ولا أمر ، ولا
__________________
(١) فى أ (وقوله).
(٢) سورة الانعام ٦ / ٥٤.
(٣) فى ب (أى أوجبها ووعدها).
(٤) سورة المائدة ٥ / ٤٥.
(٥) فى ب (أى أوحينا وألزمنا).
(٦) سورة الأنبياء ٢١ / ٩٤.
(٧) فى ب (والأقرب).
(٨) قارن بما ورد في نهاية الأقدام ص ٢٧٤ ـ ٢٧٩.