«المسألة السادسة»
«فى إثبات الإدراك لله تعالى»
والإدراك وإن أطلق بمعنى العلم بالشيء ؛ فإنه يصح أن يقال : أدرك فلان الشيء إذا علمه. وبمعنى اللحوق ؛ إذ يقال : أدرك فلان العصر الفلانى. إذا لحقه. وبمعنى البلوغ لحالة من أحوال الكمال. ومنه يقال : أدرك الغلام. إذا بلغ سن كمال العقل ، وأدركت الثمار. إذا زهت ، واستوت. إلا أن المقصود فيما نحن فيه ؛ إنما هو الإدراك بمعنى السمع ، والبصر.
وقد أجمع العقلاء ، على أن الواحد منا مدرك. ثم اختلفوا :
فمن قال بنفى الأعراض : قال : هو مدرك ، لا بإدراك.
ومن أثبت الأعراض : قال هو مدرك ، بإدراك ، وإن الإدراك معنى ، غير أن الإدراك عرض قائم بجزء من المدرك عند المعتزلة ، وقائم بنفس المدرك عند من لا يرى تعدى حكم الصفة عن محلها.
وعند هذا اختلف المتكلمون في الرب تعالى :
فذهب أصحابنا (١) : إلى أنه سميع بسمع ، بصير ببصر.
وذهبت المعتزلة : إلى أنه سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر.
وذهب ابن الجبائى (٢) : إلى أن معنى كونه سميعا ، بصيرا : أنه حي لا آفة به.
__________________
(١) من كتب الأشاعرة المتقدمين على الآمدي :
انظر اللمع للأشعرى ص ٢٥ ، ٢٦ والإبانة له أيضا ص ٣٥ ، والتمهيد للباقلانى ص ٤٧ والإنصاف له أيضا ص ٣٧ وأصول الدين للبغدادى ص ٩٦ ، ٩٧.
والإرشاد لإمام الحرمين ص ٧٢ ـ ٧٦ ولمع الأدلة له أيضا ص ٥٨.
والاقتصاد للغزالى ص ٥١ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٣٤١ ـ ٣٥٥.
والمحصل للرازى ص ١٢٣ ، ١٢٤ ومعالم أصول الدين له أيضا ص ٤٥ ـ ٤٧.
ومن كتب الآمدي : انظر غاية المرام ص ١٢١ ـ ١٣٣.
ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي :
انظر شرح الطوالع ص ١٨٢ ـ ١٨٣ ، والمواقف للإيجي ص ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، وشرح المقاصد للتفتازانى ، ٢ / ٧٢ ـ ٧٣.
(٢) لتوضيح رأى الجبائى انظر الفرق بين الفرق ص ١٨٣ ، ١٨٤ والملل ١ / ٨٣.