سلمنا دلالة ما ذكرتموه على اتصاف الرب ـ تعالى ـ بالسمع ، والبصر ، لكنه ينتقض بباقى الإدراكات من الشم ، والذوق ، واللمس ؛ فإن ما ذكرتموه يوجب كونه ـ تعالى ـ متصفا بها ؛ ولم يقل به قائل.
والجواب :
أما السؤال الأول : فمندفع ؛ وذلك لأنه إذا ثبت كون الرب ـ تعالى ـ حيّا ، وأن كونه حيا : مصحح لاتصافه بالسمع ، والبصر ؛ فالسمع ، والبصر صفة كمال للحى على ما تقدم تقريره. فإذا لم يكن متصفا بهما ، فهو ناقص ، وسواء كان (ضدهما (١)) هو عدم السمع ، والبصر ، أو معنى ثابتا.
كيف وإن الأدلة (الدالة (٢)) على ثبوت الأعراض بعينها دالة على كون أضداد السمع ، والبصر معنى ، وسنبين ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
قولهم : لو كان صفة ثبوتية لكان مدركا ، ليس كذلك لوجوه ثلاثة :
الأول : هو أن السهو من أضداد العلم ، وهو معنى ، وما لزم أن يكون مدركا ؛ فإنه لو كان مدركا لكونه ساهيا ؛ لما كان ساهيا ، فإذن ليس كل معنى يكون مدركا.
الثانى : هو أنا لا نسلم أن كل معنى يجب أن يكون مدركا ؛ ولكن فيما كان من صفات الحى ، أو فيما لا يكون من صفات الحى.
الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ؛ ولكن لم قلتم بأن المانع من صفات / الحى ـ إذ المانع من الإدراك بالسمع ، والبصر ، في اليد ، والرجل عندنا ؛ مجانس للمانع في الجماد.
الثالث : سلمنا أن كل معنى يجب أن يكون مدركا ؛ ولكن متى؟ إذا لزم منه التسلسل ، أو إذا لم يلزم ، الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم.
والموانع لو لزم أن تكون مدركة ؛ للزم من عدم إدراكها ، إدراك مانعها ، وهلم جرا ، إلى غير النهاية ؛ وهو محال.
__________________
(١) فى أ (ضده).
(٢) ساقط من أ.