والمعتمد في ذلك : ما ذكرناه من الطريقة العامة في إثبات الصفات ؛ فعليك بنقلها إلى هاهنا (١).
غير أنه قد يرد عليه (٢) هاهنا شبه وتشكيكات خاصة بهذه المسألة غير ما ورد فيما تقدم ، لا بدّ من إيرادها ، والإشارة إلى وجه الانفصال عنها.
الأول منها : لا نسلم أن كون السميع سميعا ، والبصير بصيرا معنى إثباتيا ، لا شاهدا ، ولا غائبا ؛ بل المفهوم منه إنما هو عدمى ؛ إذ هو عبارة عن كونه حيا لا آفة به كما هو مذهب ابن الجبائى (٣).
سلمنا أنه أمر ثبوتى ؛ ولكن لا نسلم خروجه عن كونه عالما بالمسموعات ، والمبصرات كما هو مذهب الكعبى (٤) ؛ فلا يكون زائدا على ما سبق من الصفات.
سلمنا أن معنى كون السميع سميعا. معنى ثبوتيا ، وأنه زائد على كونه عالما بالمسموعات ، والمبصرات ؛ ولكن لا نسلم أن المدرك في الشاهد ، والغائب ، مدرك بإدراك زائد على المدركية. وبيانه من أربعة أوجه.
الأول : أنه لو كان مدركا بإدراك / ؛ لجاز أن يدرك الواحد منا أخفى ما يكون بحضرته ، وأن لا يدرك ما هو أعظم منه ؛ لجواز أن يخلق له الإدراك بالأخفى دون الأظهر ، وذلك بأن يرى ابره ولا يرى ما بين يديه من الجبال الراسية ، والجمال السائرة ، وأن يسمع الهمس الخفى من الأصوات ، دون ما بحضرته من أصوات الدبادب ، والبوقات.
الثانى : هو أنه إذا صحت الحاسة ، وكان المرئى في مقابلة الرائى ولم يكن في غاية الصغر ، واللطف ، ولا في غاية القرب المفرط ، والبعد المفرط ، وانتفت الحجب ؛ فالمدركية واجبة الحصول ، وممتنعة الحصول عند فوات هذه الشروط ، أو بعضها على ما تشهد به الفطر ، وتقضى به العقول.
__________________
(١) راجع ما سبق ل ٥٨ / أ.
(٢) فى ب (عليها).
(٣) انظر ما سبق ل ٩٩ / أ.
(٤) انظر ما سبق في أول المسألة ل ٩٩ / أ.