والجواب :
قولهم : لا نسلم أن مفهوم المدرك ثبوتى ؛ بل المدرك هو الحى الّذي لا آفة به.
قلنا : دليل كون المدرك مدركا أمرا ثبوتيا ؛ ما يجده كل عاقل من نفسه عند سماعه الأصوات ، وإبصاره المبصرات. من أمور تجددت بعد أن لم تكن. كما يجد من نفسه : أنه عالم ، وقادر ونحو ذلك ؛ وذلك مما لا مراء فيه ، ولا سبيل إلى جحده ، ومكابرته. ثم ذلك الّذي يجده كل عاقل من نفسه : إما أن يكون ثبوتيا أو نفييا.
لا جائز أن يكون نفييا : فإن نقيض كون السميع سميعا ، والبصير بصيرا ؛ لا سميع ، ولا بصير ، ولا سميع ، عدم محض ؛ إذ يصح وصف العدم المحض به ، ولو كان ثبوتيا ؛ لكان العدم المحض متصفا بالصفة الثبوتية ؛ وهو محال ، فثبت أن مفهوم السميع ، والبصير ثبوتيا.
قولهم : المدرك هو الحى الّذي لا آفة به باطل ، لوجوه سبعة :
الأول : هو أن الحياة ، ونفى الآفة ، غير مختلف ، وكل عاقل يجد من نفسه اختلاف أحواله عند كونه سميعا ، وبصيرا ، وشاما ، وذائقا ، ولامسا ؛ والمختلف غير ما ليس بمختلف.
الثانى : هو أن المدرك : إما أن يكون / هو الحى الّذي انتفت عنه جميع الآفات ، أو (١) بعض الآفات (١) :
فإن كان الأول : فهو ممتنع ؛ فإنا قد نجد من حلت به بعض الآفات : كالسقيم المدنف (٢) مدركا ، والأعمى سامعا ، والأطرش مبصرا إلى غير ذلك. ولو كانت الحياة مع انتفاء جميع الآفات. هى معنى كون المدرك مدركا ؛ لما كان كذلك.
وإن كان الثانى : فيلزم أن يكون مدركا من انتفت عنه بعض الآفات ، وإن حلت به الآفة المانعة له من كونه مدركا ؛ وهو محال.
__________________
(١) فى ب (أو بعضها).
(٢) (السّقيم المدنف). الدّنف المرض الملازم ـ والمدنف هو الّذي لازمه المرض ، انظر القاموس المحيط (باب الفاء فصل الدال).