الخامس : أنه لا يتصور حصول العلم إلا ويعلم حصوله ؛ بخلاف الإدراك ؛ كما حققناه من مثال المدرك الساهى.
قولهم : لا نسلم أن المدرك مدرك بإدراك.
قلنا : لأن حد المدرك : من قام به الإدراك ؛ فلا يعقل مفهوم المدرك ، دون تعقل الإدراك ، كما لا يعقل مفهوم الأسود والأبيض ، دون فهم السواد ، والبياض ، ولو جاز تعلق مدرك بلا إدراك ؛ لجاز تعلق أبيض ، وأسود بلا سواد ، ولا بياض ؛ وهو من أمحل المحالات.
قولهم : لو كان مدركا بإدراك ؛ لجاز أن يدرك الأخفى دون الأظهر على ما قرروه.
قلنا : إحالة ذلك : إما أن ينظر فيها إلى العقل (أو إلى العادة) (١).
فإن كان الأول : فممنوع ، وإن كان الثانى : فمسلم.
ولكن كما أنه يستحيل بالنظر إلى العادة ؛ انتفاء الإدراك للأظهر مع إدراك الأخفى ؛ فيستحيل بالنظر إلى العادة أن لا يخلق لنا الإدراك للأظهر مع خلق الإدراك للأخفى.
ثم ما هو لازم علينا في الإدراك ، فهو لازم على الخصم في المدركية ، وما هو جواب له / ثم ؛ هو جواب لنا هاهنا.
قولهم : إن المدركية واجبة الحصول ، عند حصول هذه الشروط غير مسلم ، وبيان ذلك من وجهين.
الأول : هو أنا قد نرى الكبير صغيرا من البعد ، مع وجود ما ذكروه من الشرائط.
وعند ذلك : فالرؤية ، إما أن تكون متعلقة بكل أجزائه ، أو أنه (٢) لا تعلق لها بشيء منها ، أو أنها متعلقة بالبعض ، دون البعض.
فإن كان الأول : فكان يلزم إدراكه على ما هو عليه ؛ وهو محال.
وإن كان الثانى : فهو محال ، وإلا لما رئى أصلا.
__________________
(١) فى أ (أو العادة).
(٢) فى ب (أنها).