سلمنا التساوى بين الأطراف ، والوسط ؛ ولكن شرط المدركية : عند القائلين بالانطباع : إنما هو بانطباع صورة المرئى ، في الرطوبة الجليدية / وأن يكون بين الناظر ، والمرئى مخروط متوهم ، زاويته من جهة الناظر ، وقاعدته من جهة المرئى ، ولا يخفى أنه كلما إزدادت أبعاد المخروط طولا بسبب بعد المرئى ؛ إزدادت زاويته ضيقا ، وكلما قصر ؛ إزدادت زاويته سعة ، ومحل الانطباع إنما هو الزاوية المفروضة ؛ فيجب اتساعها ، وضيقها ؛ وبسبب القرب والبعد ؛ يكون كبر المنطبع ، وصغره.
وعند القائلين بخروج شعاع من العين متصل بالمرئى يكون مدركا له : إنما اختلف المرئى بالصغر والكبر ، بالبعد ، والقرب ، بسبب ضعف الشعاع المتصل به ؛ بسبب تبدده ، أو بسبب مخالطته الأبخرة الكثيفة به.
وعند القائلين بأن الهواء المشف ما بين الرائى ، والمرئى يستحيل آلة دراكة بإحالة قوة الناظر له : إنما اختلف الصغر ، والكبر ، بالبعد ، والقرب ؛ بسبب ضعف تأثير القوة في الإحالة وقوتها.
وعلى الحجة الثانية : إنما يلزم الدور أن لو توقف صحة رؤية كل واحد من الأجزاء على صحة رؤية الآخر. توقف متأخر ، على متقدم ؛ وذلك بأن يقال : صحة رؤية كل واحد ، علة صحة رؤية الآخر ، وليس كذلك ، بل توقف معية ؛ أى أنه لا يصح رؤية كل واحد ، إلا مع رؤية الآخر ؛ وذلك غير موجب للدور كالمضافات.
والجواب :
أما دعوى زيادة البعد المتصل بالطرف ، على البعد المتصل بالوسط ؛ فمندفع. فإنا لو قدرنا أن ضلع الزاوية القائمة : وهو الآخذ من وسط المرئى إلى الطرف ذراعا ؛ فيعلم أن بعد الطرف الّذي هو وتر تلك الزاوية لا يزيد على بعد الوسط بذراع ، بل أقل ؛ لأن ضلعى الزاوية القائمة يزيدان على وترها لا محالة ، ومع ذلك : فإنا لو قدرنا تباعد الوسط ذراعا آخر بحيث يساوى وتر الزاوية ، ويزيد عليه ؛ لما غاب من الحس.
وأما الرد على مذهب أرباب الانطباع وغيرهم ، فسيأتى عن قرب (١).
__________________
(١) انظر ما سيأتى ل ١٠٨ / ب وما بعدها.