السابع : أنه لو كان اتصال الشعاع المنبعث من العين بالمرئى شرطا في الرؤية في الشاهد ؛ لكان شرطا في كون الغائب مدركا ؛ لأن الشرط عندهم مما يجب اطراده ؛ كما سلف ، وليس كذلك ؛ / حيث قضوا بأن الرب ـ تعالى ـ مدرك.
وعلى هذا فقد اندفع ما ذكروه من الشبه.
كيف : وأن ما ذكروه من الشعاع النازل من الكوى ؛ ليس هو الشعاع المنبعث من العين الّذي هو شرط الإدراك ؛ بل غيره ؛ فلا يكون توقف إدراك الهبا عليه دليلا على ما قصدوه ، وكذلك الشعاع المنعكس من إحدى المرآتين المتقابلتين على الأخرى ، الّذي به إدراك الناظر لظهره ؛ ليس هو الشعاع المنبعث من العين : فلا يكون ذلك دليلا على اشتراط انبعاث شعاع العين.
ثم لو قيل لهم : ما المانع أن يكون ذلك كله بحكم جرى العادة؟ ، لم يجدوا إلى دفعه سبيلا.
قولهم : ما المانع أن يكون الإدراك باستحالة الهواء المتوسط بين الرائى ، والمرئى آلة دراكه؟
قلنا : لوجوه ثلاثة :
الأول : أنه لو كان كذلك ؛ لكانت استحالته عند اجتماع المبصرين أشد.
وعند ذلك : يجب أن يكون إدراك الواحد للشىء عند الاجتماع أشد من حالة الانفراد ؛ لقوة الاستحالة.
الثانى : أنه كان يلزم أن يضطرب المرئى عند تشوش الجو (١) ، واضطراب الرياح بسبب تجدد الآلة الدراكة ؛ وهو ممتنع.
الثالث : أنه يلزم منه أن لا يكون الناظر هو المدرك ؛ إذ المدرك خارج عنه.
وعلى هذا. فالإدراك : معنى يخلقه الله ـ تعالى ـ للمدرك مع قطع النظر عن البنية المخصوصة ، والانتقال ، والانطباع ، والآلات (٢) ، والأدوات (٢) ، والأشعة ، والأهوية
__________________
(١) فى ب (الهوى).
(٢) فى ب (والأدوات والآلات).