الصفة التاسعة : «الاستواء على العرش» (١)
قال الله ـ تعالى ـ : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٢).
وقد اختلف أهل الملة في ذلك.
فمنهم : من حمله على الاستقرار والمماسة للعرش : كالمشبهة ؛ وهو باطل ؛ لأنه لو كان مستقرا على العرش. والعرش جسم من الأجسام ؛ فإما أن يكون مساويا له ، أو أكبر (٣) ، أو أصغر (٣) ؛ والكل محال ؛ لما سيأتى في (٤) إبطال ما لا (٤) يجوز على الله تعالى.
وعلى هذا فما نقل عن بعض الأئمة المشهورين (٥) من قوله : «الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، والإيمان به واجب».
إن أراد بالاستواء المعلوم : الاستقرار والمماسة ؛ فهو محال.
وإن أراد به استواء لا كاستوائنا ، كما ذهب إليه السلف ، والشيخ أبى الحسن الأشعرى في أحد قوليه ؛ فغير معلوم ؛ لعدم دلالة القاطع عليه ، وعدم دلالة اللفظ عليه لغة ـ كما سبق ـ
وما عداه فالاحتمالات فيه متعارضة ، على ما يأتى.
ومنهم من توقف. والتوقف إن كان للتردد بين الاستواء بمعنى الاستقرار ، وغيره من الاحتمالات ؛ فخطأ ؛ ضرورة انتفاء الاستواء بمعنى الاستقرار قطعا ، وإن كان للتردد بين ما عدا ذلك من الاحتمالات ؛ لعدم القطع بواحد منها على سبيل التعيين ؛ فلا بأس به.
__________________
(١) انظر الإبانة عن أصول الديانة للأشعرى ص ٣١ وأصول الدين للبغدادى ص ١١٢ والشامل لإمام الحرمين ص ٥٥٠.
ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٤١.
ومن كتب المتأخرين : انظر شرح طوالع الأنوار ص ١٨٤ والمواقف للإيجي ص ٢٩٧ وشرح المقاصد ٢ / ٨١.
(٢) سورة طه ٢٠ / ٥.
(٣) فى ب (أو أصغر أو أكبر).
(٤) فى ب (فيما).
(٥) هو الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحى الحميرى ، أبو عبد الله : إمام دار الهجرة ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، وإليه تنسب المالكية ، ولد بالمدينة سنة ٩٣ ه. وتوفى بها سنة ١٧٩ (انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٥١ ، الأعلام للزّركلي ٦ / ١٢٨).