كيف : وأنه إذا اعترف بأن الطريق المذكور موصل إلى العلم بوجود واجب الوجود ؛ فقد بينا في النوع الأول : أن ذاته وجوده ، ووجوده ذاته ؛ فإذا كان وجوده معلوما ؛ كانت ذاته معلومة.
وأما الآية : فلا حجة فيها ؛ فإن قوله ـ تعالى ـ : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) (١) : أى من الأمور الغيبية ، والضمير في قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (٢) عائد إلى معلوم الله ـ تعالى ـ مما بين أيديهم ، وما خلفهم من الأمور الغيبية ، لا إلى الله تعالى.
وأما نحن فنقول :
لا شك أنه معلوم الوجود ؛ فإن كان الوجود هو نفس الذات ؛ فالذات معلومة. وإن كان زائدا على الذات ؛ فالحكم بأن وجوده زائد على ذاته ، حكم تصديقى يستدعى تصور المحكوم عليه.
وعلى كلا التقديرين ؛ فيجب أن تكون ذاته متصورة.
ثم تصور الشيء تارة يكون بتصور ذاتياته ، ومقوماته (٣) ، إن كان مركبا.
وتارة بتصور خواصه ، ولوازمه. وسواء كان مركبا ، أو بسيطا ، لكن ذات واجب الوجود بسيطة غير مركبة كما يأتى (٤) ؛ فتصورها لا يكون بالطريق الأول ؛ بل بالثانى.
/ وعلى هذا : فمن قال إنها متصورة بالطريق الثانى ؛ فقد قال حقا. ومن قال إنها غير متصورة بالطريق الأول ؛ فقد قال حقا.
وأما إن وقع النزاع بالنفى ، والإثبات على أحد الطرفين ؛ فالنافى في الطريق الأول : مصيب ، وفي الثانى : مخطئ ، والمثبت بعكسه.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ٢٥٥.
(٢) سورة طه ٢٠ / ١١٠.
(٣) فى ب (ومعلوماته).
(٤) انظر ل ١٤٢ / أوما بعدها.