الثالث : أنه لو كان المصحح هو الحدوث ؛ فيلزم على أصول المعتزلة صحة رؤية العلوم ، والقدر ، والإرادات (١). وكذلك (١) الطعوم ، والروائح ؛ / لكونها حادثة ؛ وهو خلاف أصولهم (٢) ؛ فلم يبق إلا أن يكون المصحح هو الوجود ، والوجود متحقق في حق الله ـ تعالى ـ ويلزم من ذلك صحة الرؤية عليه ؛ ضرورة وجود المصحح.
فإن قيل : لا نسلم اشتراك الأجسام والألوان في صحة الرؤية ، وما المانع من أن يقال : الألوان غير مرئية؟ كما هو مذهب عبد الله بن سعيد من أصحابكم ؛ حيث ذهب إلى أنه لا يرى غير القائم بنفسه ، أو أن الجسم غير مرئى ؛ كما هو مذهب بعض المعتزلة ، وأكثر الكرامية؟
قولكم : فى المقدمة : إنا لا نشك في رؤية أشكال الأجسام ، ومقاديرها وكونها في بعض الجهات دون البعض ؛ فغايته أنه دليل على أن المدرك عرض آخر ؛ وليس في ذلك ما يدل على كون الجسم مرئيا.
سلمنا صحة رؤية الأجسام والألوان ؛ ولكن لا نسلم أن صحة الرؤية أمر ثبوتى ؛ وما ليس بثبوتى ؛ فلا يحتاج إلى التعليل.
أما أن الصحة ليست أمرا ثبوتيا ؛ فلأنه لا معنى لصحة الرؤية إلا إمكان الرؤية. والإمكان ليس بثبوتى ؛ وبيانه من ثلاثة أوجه :
الأول : أن الإمكان نقيضه لا إمكان ، [ولا (٣) إمكان (٣)] عدم لصحة اتصاف العدم الممكن به ، ولو كان صفة ثبوتية ؛ لكان صفة للعدم المحض ، والنفى الصرف ؛ وهو محال.
الثانى : هو أن الحادث قبل حدوثه متصف بالإمكان ، فلو كان الإمكان صفة وجودية : فإما أن يكون صفة للحادث ، أو لغيره.
لا جائز أن يكون صفة للحادث ؛ وإلا كانت الصفة الوجودية لما ليس بموجود.
__________________
(١) فى ب (والإدراكات).
(٢) فى ب (أصلهم).
(٣) فى أ (والإمكان).