وعند ذلك : فإن بينتم دليل الجواز ؛ فلا حاجة إلى هذه الحجة ، وإن لم (١) تبينوا دليل الجواز (١) ؛ فقد تقابل الجانبان.
وأما الجواب الثانى : فللخصم أن يقول فيه : إنما يلزمنى هذا أن لو كنت قائلا بجواز (٢) خلق (٢) أمثال السموات ، والأرض بالنظر إلى نفى مدارك الاستحالة ، وليس كذلك ؛ بل إنما قلت به بالنظر إلى وجود دليل الجواز ، حتى أنه لو لم يقم عندى دليل الجواز ؛ لما قلت به.
الحجة الرابعة : وهى أشبه الحجج.
هو أن الإدراك عبارة عن كمال يحصل به مزيد كشف وإيضاح على ما حصل في النفس من العلم بأمر ما على ما حققناه في مسألة الإدراكات.
فإذن هذا الكمال الزائد على ما حصل في النفس في كل واحدة من الحواس هو المسمي إدراكا كما مضى. وقد بينا فيما مضى أن الإدراك بالرؤية ليس بخروج شيء من البصر إلى المبصر ، ولا بانطباع صورة المبصر في البصر ، وأنه لا يفتقر إلى مقابلة ، ولا اتصال أجسام ، ولا بنية مخصوصة. وإنما هو معنى يخلقه الله ـ تعالى ـ فى الحواس المخصوصة بحكم / جرى العادة ، وأنه لو خلق ذلك الإدراك في القلب ، أو غيره من الأعضاء ؛ لكان جائزا.
وإذا عرف ذلك ؛ فالعقل يجوّز أن يخلق الله ـ تعالى ـ فى الحاسة المبصرة ؛ بل وفى غيرها ؛ زيادة كشف وإيضاح بالنظر إلى ذاته ووجوده بالنسبة إلى ما حصل بالبرهان ، والخبر اليقينى من العلم به ؛ فإن ذلك في نفسه ممكن ، والقدرة لا تقصر عنه ؛ وذلك هو المسمى بالرؤية.
وعلى هذا فقد ظهر جواز تعلق الرؤية بجميع الإدراكات ، والطعوم ، والروائح وكل موجود من العلوم ، والقدر ، والإرادات ، وغير ذلك مما لا تتعلق به الرؤية في مجارى العادات.
فإن قيل : ما ذكرتموه في جواز إثبات الرؤية. إما أن تعمموا به كل إدراك ، أو تحكموا بكونه خاصا بالرؤية (٣).
__________________
(١) فى ب (نفيتم الجواز).
(٢) فى ب (يخلق).
(٣) فى ب (فى الرؤية).