فإن كان الأول : فيلزمكم على سياقه أن يكون الرب تعالى مسموعا ، ومشموما ، ومذاقا ، وملموسا ؛ وذلك مما يتحاشى عن القول به أرباب العقول.
وإن أوجبتم تخصصه بالرؤية : فالفرق تحكم غير معقول (١).
ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على جواز الرؤية ، غير أنه معارض بما يدل على عدم الجواز (٢) ؛ وبيانه من وجهين :
الأول : أنه لو جاز أن يكون [البارى (٣) تعالى (٣)] مرئيا ؛ لجاز أن يكون مرئيا في الدنيا ؛ لأن الموانع من القرب المفرط ، والبعد المفرط والحجب ؛ منتفية. وإلا لجاز أن يكون بين أيدينا جبل شامخ ، أو جمل واقف ؛ ونحن لا نراه ، مع سلامة الآلة ، وانتفاء الموانع ؛ وهو محال. فحيث لم ير مع انتفاء الموانع ، لم يكن ذلك إلا لكونه غير مرئى في نفسه.
الثانى : أنه لو جاز أن يكون مرئيا : فإما أن يكون في مقابلة الرائى ، أو لا في مقابلته.
فإن كان الأول : فيلزم أن يكون في جهة ، ويلزم من كونه في (٤) الجهة (٤) أن يكون جوهرا ، أو عرضا ؛ وهو على الله ـ تعالى ـ محال.
وإن لم يكن في مقابلة الرائى : فالرؤية متعذرة غير معقولة.
وربما عضدوا ذلك بالشبه التى سبق ذكرها في تحقيق الإدراكات ، وما يفضى إليه من التجسيم والأينية على تفاصيله.
والجواب :
أما الإشكال الأول : فقد اختلف في جوابه أصحابنا :
__________________
(١) هذا الاعتراض ذكره الشهرستانى في نهاية الأقدام ص ٣٦١ منسوبا إلى المعتزلة. وهو في المغنى للقاضى عبد الجبار ٤ / ١٣٤ ـ ١٣٨.
(٢) وهذا الاعتراض للمعتزلة أيضا. انظر المغنى ٤ / ٤٨ ـ ٥٥ ، ٩٥ ـ ١٠١ والأصول الخمسة ص ٢٥٤ ـ ٢٦١ ، ثم انظر الإرشاد للجوينى ص ١٧٨ ، ١٧٩.
(٣) ساقط من أ.
(٤) فى ب (لا في جهة).