كيف : وأنه من المحتمل أن يكون المانع من الإدراك تكدر النفس بالشواغل البدنية ، وانغماسها في الرذائل الشهوانية ، وعند صفوها في الدار الأخرى (١) ، وزوال كدورتها بانقطاع علائقها (٢) ، وانفصال عوائقها (٣) يتحقق لها ما كانت مستعدة لقبوله ، ومتهيئة لإدراكه.
وإن سلمنا انتفاء الموانع مطلقا ، فلا نسلم وجوب تعلق الرؤية ووقوعها ؛ لجواز أن لا يخلقها الله ـ تعالى ـ كما سلف بيانه.
وما ذكروه من الاستشهاد بالصورة المذكورة ؛ فغير ممتنع عدم الرؤية فيها عقلا. وإن كان ممتنعا عادة كما سبق.
ثم كيف ينكر ذلك مع (٤) ما قد ورد من الأخبار (٤) المتواترة الصادقة عن النبي الصادق بما أوجب لنا العلم / بأنه كان عليهالسلام يرى جبريل ، ويسمع كلامه عند نزوله عليه ، ومن هو حاضر عنده لا يدرك شيئا من ذلك : مع سلامة آلة الإدراك ، وانتفاء الموانع.
وأما الإشكال الأخير فمندفع بما حققناه من امتناع اشتراط المقابلة ، وكل ما ذكروه من الشروط ؛ فإن الإدراك مع ذلك غير ممتنع.
كيف وأن هذا بعينه لازم على من اعترف منهم بأن الله ـ تعالى ـ يرى نفسه ، ويرى غيره ؛ فما هو جوابه في رؤية الله ـ تعالى ـ للغير ؛ هو الجواب في رؤية الله ـ تعالى ـ برؤية غيره.
وأما الحجة السمعية :
فقوله (٥) ـ تعالى ـ : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (٦). ووجه الاحتجاج به من وجهين (٧) :
__________________
(١) فى ب (الآخرة).
(٢) فى ب (العلائق).
(٣) فى ب (العوائق).
(٤) فى ب (مع ما ورد في الأخبار).
(٥) فى ب (فى قوله).
(٦) سورة الأعراف ٧ / ١٤٣.
(٧) هذه الآية الكريمة استدل بها الأشاعرة على جواز الرؤية. واستدل بها المعتزلة على نفيها. انظر المغنى ٤ / ١٦١ ـ ١٦٢. وما أورده الآمدي هنا على أنه شبه. أورده القاضى على أنه حجج. ثم انظر المغنى أيضا ٤ / ٢١٧ ـ ٢٢٠ حيث يورد هذه الحجة بأنها شبهة ويرد عليها. أما إجابته عنها : فهى الشبه التى أوردها الآمدي هنا ؛ ليرد عليها.
ثم انظر الأصول الخمسة ص ٢٦٢ ـ ٢٦٥.