الأول : أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه الرؤية بقوله : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ولو كانت الرؤية مستحيلة. فإما أن يكون موسى عالما بالإحالة ، أو جاهلا بها.
فإن كان عالما بالإحالة : فالعاقل لا يسأل المحال ، ولا يطلبه ، فضلا عن كونه نبيا كريما. وإن كان جاهلا بالإحالة ؛ فيلزم أن يكون آحاد المعتزلة ومن حصل طرفا من علومهم ، أعلم بالله ـ تعالى ـ وبما يجوز عليه ، وما لا يجوز عليه من النبي الصفى ؛ والقول بذلك غاية التجاهل ، والرعونة.
وإذا بطل القول بالإحالة لما يلزم عنه من المحال ؛ تعين القول بالجواز وهو المطلوب.
الوجه الثانى : قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) علق الرؤية على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل ممكن في نفسه ، وما علق وجوده على الممكن ؛ فهو ممكن.
فإن قيل :
أما الوجه الأول : فالكلام عليه من وجوه.
الأول : لا نسلم أن موسى سأل الرؤية ، وإنما سأله أن يعلمه به علما ضروريا. وعبر بالرؤية عن العلم ؛ إذ العلم ملازم للرؤية ، والتعبير باسم أحد المتلازمين عن الآخر سائغ لغة بطريق التجوز كما في قولهم جرى النهر والميزاب. والمراد به الماء الّذي فيه. وهذا هو تأويل أبي الهذيل العلاف وتابعه عليه الجبائى ، وأكثر البصريين (١).
سلمنا أنه ما سأل العلم بربه ؛ ولكن إنما سأل أن يريه علما من أعلام الساعة بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه كما فى قوله ـ تعالى ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٢) والمراد به أهل القرية.
ويكون معنى قوله (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) : أى إلى علم من أعلامك الدالة على / الساعة. وهذا هو تأويل الكعبى ، والبغداديين من المعتزلة.
__________________
(١) انظر الأصول الخمسة ص ٢٦٢ ؛ حيث يذكر هذا الرأى لأبى الهذيل ، ثم يضعفه. وانظر أيضا المغنى ٤ / ١٦٢ ، ٢١٨.
(٢) سورة يوسف ١٢ / ٨٢.