سلمنا أنه سأل الرؤية ؛ ولكن لنفسه ، أو لأجل دفع قومه في قولهم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (١) الأول ؛ ممنوع ، والثانى ؛ مسلم ؛ وذلك لأنهم لما سألوه الرؤية أضاف الرؤية إلى نفسه ؛ ليكون منعه أبلغ في دفعهم ، وردعهم عما سألوه تنبيها بالأعلى على الأدنى ، وهذا هو تأويل الجاحظ ، ومتبعيه.
سلمنا أنه سأل الرؤية لنفسه ؛ ولكن لا نسلم أن ذلك ينافى العلم بالإحالة ؛ إذ المقصود من سؤال الرؤية إنما هو أن يعلم الإحالة بطريق سمعى مضاف إلى ما عنده من الدليل العقلى ؛ لقصد التأكيد ، وذلك جائز بدليل قول إبراهيم الخليل عليهالسلام (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٢) بضم دليل المشاهدة إلى دليل العقل.
سلمنا أنه سأل الرؤية مع عدم علمه باستحالتها ؛ ولكن ذلك غير قادح في نبوته مع كونه عالما بعدل الله تعالى ، ووحدانيته ، ولهذا سأل وقوع الرؤية في الدنيا ؛ وهى غير واقعة إجماعا.
سلمنا أنه كان عالما بإحالة الرؤية ؛ ولكن لم قلتم بامتناع السؤال؟ وإنما يكون ممتنعا أن لو كان ذلك محرما في شرعه. وإن كان محرما في شرعه ؛ فالصغائر غير ممتنعة على الأنبياء على ما يأتى (٣) :
وأما الوجه الثانى : فالكلام عليه أيضا من وجهين :
الأول : لا نسلم أنه علق الرؤية على أمر ممكن.
قولكم : إنه علقها على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل ممكن.
فنقول : علقها على استقرار الجبل حال سكونه ، أو حال حركته. لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لوجدت الرؤية ضرورة وجود الشرط ؛ فإن الجبل حال سكونه كان مستقرا ؛ فلم يبق إلا الثانى.
ولا يخفى أن استقرار الجبل حال حركته محال لذاته.
__________________
(١) سورة النساء ٤ / ١٥٣.
(٢) سورة البقرة ٢ / ٢٦٠.
(٣) انظر الجزء الثانى ـ القاعدة الخامسة ـ الأصل الخامس ل ١٦٨ / ب وما بعدها.