الثانى : وإن سلمنا عدم الظهور به ، بحكم الوضع في (١) الحرف غير أنه قد اقترن به (١) ما يدل على إرادة الحرفية ، حيث أن الآية إنما وردت تبشيرا للمؤمنين ، وتخصيصا لهم بالإنعام والإكرام ؛ وذلك لا يكون إلا بما هو نعمة ، وكرامة.
ولا يخفى تحقيق ذلك عند حمل إلى على الحرفية ؛ لأن النظر يكون بمعنى الرؤية ، ورؤية الله ـ تعالى ـ من أجل النعم ، والكرامات وهى (٢) من أعلا الدرجات (٢). ولو حمل إلى على واحد الآلاء ؛ فيكون تقدير الكلام وجوه يومئذ ناضرة نعمة ربها ناظرة.
وقوله ناظرة : إما بمعنى الرؤية ، أو بمعنى الانتظار.
فإن كان الأول : فلا يخفى أن رؤية النعمة لا تكون نعمة ، ولهذا : فإنه قد يشترك في رؤية نعمة الله ـ تعالى ـ المؤمنون ، والكفار (٣).
وإن كان الثانى : فانتظار النعمة لا يكون نعمة ، بل عذابا ، ومنه / قولهم : الانتظار الموت الأحمر ، فلا يصلح ذلك للتبشير ، وكذلك أيضا لو حمل على معنى عند ، فيكون تقدير الكلام : وجوه يومئذ ناظرة عند ربها ناضرة ، ولا بد من إضمار ثواب ربها ، أو نعمة ربها ، وسواء كان النظر بمعنى الرؤية ، أو الانتظار ، وفيه مع ما ذكرناه من المحذور زيادة الإضمار ؛ والإضمار على خلاف الأصل.
قولهم : لا نسلم أن إلى إذا اقترنت بالنظر تكون للرؤية.
قلنا : دليله ما سبق.
قولهم : يصح أن يقال : نظرت إلى الهلال ؛ فلم أره. لا نسلم صحة ذلك في وضع اللغة ؛ بل الّذي تقوله العرب نظرت إلى مطلع الهلال ؛ فلم أر الهلال. وربما حذف المطلع ، وأقيم المضاف إليه مقامه تجوزا ، واستعارة.
وعلى هذا يكون الجواب عن قولهم : ما زلت أنظر إلى الهلال حتى رأيته.
وقولهم (٤) : نظرت فرأيت من باب التأكيد ؛ وذلك جائز عند اختلاف الألفاظ ؛ وإن اتحد المعنى. ومنه قول امرئ القيس :
__________________
(١) فى ب (فى الحرفية غير انها قد اقترن بها).
(٢) من أول (وهى ...) ساقط من ب.
(٣) فى ب (والكافرون).
(٤) فى ب (وقوله).