مكر مفر مقبل مدبر معا |
|
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل |
أضاف الجملود إلى الصخر ، وهما بمعنى واحد.
وعلى هذا فإنه يحسن أن يقال : أدركته ؛ فرأيته.
وقولهم : انظر كيف ينظر فلان إلى فلان ؛ فهو تجوز باسم الرؤية عن تقليب الحدقة ؛ لأن تقليب الحدقة سبب للرؤية في الغالب ، والتجوز باسم المسبب عن السبب ؛ جائز.
وهذا هو الجواب عن قوله ـ تعالى ـ (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١).
قولهم : إن النظر قد يوصف بما لا توصف به الرؤية الحقيقية ليس كذلك. ولا مانع من [اتصافها (٢)] بما ذكروه من الصفات.
قولهم : إن العرب لا تصف إلا ما تراه ؛ ليس كذلك ؛ فإنها (٣) كما تصف المرئيات ، فقد تصف (٣) ما لا يرى في مجارى العادات : كالشجاعة ، والجبن ، والكرم ، والبخل ، والبر ، والعقوق ، والعشق ، والشوق ، ونحو ذلك وفيما نحن فيه خاصة ؛ فإنهم يصفون النظر بمعنى الرؤية ومنه قول الشاعر :
نظرت إلى من حسّن الله وجهه |
|
فيا نظرة كادت على وامق تقضى |
قولهم : إن النظر مأمور به ، ومنهى عنه.
قلنا : الأمر ، والنهى ؛ وإن كان لا يتعلق بغير المقدور ، فإذا أضيف الأمر إلى النظر الموصول بإلى ؛ فهو حقيقة في الرؤية غير أنه لما تعذر حمل الأمر عليه ، لكونه غير مقدور تجوز به عن سببه ؛ وهو تقليب الحدقة كما سبق.
قولهم : إن النظر الموصول / بإلى قد يرد بمعنى الانتظار لا نسلم ذلك ، والناقل عن العرب أنها تقول : نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته ، إن كان غير موثوق به ؛ فلا التفات إليه.
وان كان موثوقا به ؛ فنقله مرجوح بالنسبة إلى النقل المشهور المأثور عنهم ، أنهم قالوا : النظر الموصول بإلى لا يكون إلا بمعنى الرؤية ؛ فإنه لا يقال نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته ؛ بل إذا أريد به الانتظار قيل نظرته ، وانتظرته لا غير.
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ / ١٩٨.
(٢) فى أ (صفاتها).
(٣) فى ب (فإنه كما يوصف المرئيات قد يصف).