الثالث : هو أن النظر مضاف إلى الرب ـ تعالى ـ بقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فلو حمل النظر على الانتظار. فإما أن يكون المنتظر هو الرب (١) ـ تعالى ـ أو غيره.
فإن كان الأول : فهو محال ؛ إذ الرب ـ تعالى ـ لا ينتظر نفسه ؛ إذ الانتظار توقع وقوع أمر ما ، والرب ـ تعالى ـ لا يتوقع وقوعه.
وإن كان الثانى ؛ فيلزم منه الإضمار ؛ وهو خلاف الأصل.
الرابع : هو أن الموصوف بالنظر الوجوه ؛ وهى بمعنى الجوارح ؛ كما سبق ؛ والوجوه بمعنى الجوارح لا توصف بالانتظار.
الخامس : أن الوجوه الموصوفة بكونها ناظرة ، موصوفة بالنضارة بقوله : وجوه يومئذ ناضرة ، والنضارة ، والابتهاج إنما (٢) تحصل بالنظر ، لا بالانتظار (٢).
وأما قوله ـ تعالى ـ فى حق الكفار : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) فمحمول أيضا على النظر الحقيقى ؛ وهو الرؤية. غير أن النظر الحقيقى ينقسم إلى نظر سخط : وهو ما يتعقبه العقوبة. وإلى نظر رحمة : وهو ما يتعقبه الإحسان ، والرأفة. وعند ذلك : فلا يلزم من كونه غير ناظر إليهم نظر رحمة ألا يكون ناظرا إليهم أصلا ؛ فإنه لا معنى لنظر الرحمة ، غير النظر الّذي يعقبه الصفح والعفو ، فإذا لم يعقب نظره إليهم العفو ، والصفح. قيل لم ينظر إليهم نظر رحمة ؛ وإن كان ناظرا إليهم (٣) حقيقة.
وأما قوله ـ تعالى ـ (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (٤). فالمراد به النظر الحقيقى. غير أن النظر الحقيقى في حقنا ينقسم : / إلى ما يعقبه الاعتبار. وإلى ما لا يعقبه الاعتبار. والمراد من الآية إنما هو النظر الأول دون الثانى ، وذلك لا ينافى النظر الحقيقى.
قولهم : إنه حقيقة في النظر ، المشروط بالشروط المعتبرة من قبل.
قلنا : النظر حقيقة ، لا يختلف بالشروط وعدمها ؛ بل غايتها أن وجود النظر متوقف عليها ، لا نفس الحقيقة ؛ إذ شرط الوجود لا يكون داخلا في المفهوم من النظر.
__________________
(١) فى ب (الله).
(٢) فى ب (لا يحصل الا بالانتظار).
(٣) فى ب (لهم).
(٤) سورة الغاشية ٨٨ / ١٧.