القسم الأول
في حدّ العلم وحقيقته (١)
أمّا حقيقة العلم : فقد اختلف العلماء في العبارات الدّالّة عليها.
فقال بعض المعتزلة (٢) : العلم اعتقاد الشيء على ما هو عليه.
وهو باطل بالمعتقد عن تقليد وجود الرّبّ تعالى ؛ فإنّه معتقد للشىء على ما هو عليه ، وليس اعتقاده علما. (٣) وهذا ممّا لا يندفع وإن زيد في الحدّ : مع سكون النّفس إليه (٣). ثم إنّه يخرج منه العلم بالمعدوم المستحيل الوجود ؛ فإنّه علم ، وما تعلّق به ليس بشيء بالاتفاق.
ومنهم (٤) من زاد في الحدّ : إذا وقع عن ضرورة أو دليل. وهذه الزّيادة ، وإن اندفع بها الإشكال الأول فلا يندفع بها الإشكال الثّاني.
ومن زعم أن العلم لا يتعلّق بالمعدوم المستحيل الوجود ؛ فحكمه بذلك علم تصديقى ، والعلم التّصديقى يستدعى علمين تصوريين ، وأحد التّصورين المعدوم المستحيل الوجود ؛ فيكون مناقضا لقوله : والعلم التّصديقى. مع كونه مكابرا للبديهة ، وما يجده كلّ عاقل من نفسه من العلم باستحالة الجمع بين النفى والإثبات ، وهو غير متصوّر مع كون النفى غير معلوم.
__________________
(١) عن حقيقة العلم وآراء العلماء فيه : انظر المغنى للقاضى عبد الجبار ج ١٢. ص ١٣ ـ ٢٢. ط أولى نشر المؤسسة المصرية حيث يعرض آراء متقدمى المعتزلة ، ثم يرد عليها. كما يعرض آراء متقدمى الأشاعرة ـ الواردة هنا ـ كالأشعرى ، والباقلانى ، وابن فورك. عرضا واضحا يدل على معرفته التامة بمذهبهم ؛ فقد عاش شبابه بينهم قبل تحوله إلى الاعتزال. ثم يرد عليهم.
وانظر الإنصاف للباقلانى. طبع الخانجى ص ١٣. والتمهيد له أيضا طبع دار الفكر العربى ص ٣٤ وأصول الدين للبغدادى. طبع مطبعة الدولة باستانبول ص ٥ ، ٦ والإرشاد لإمام الحرمين. نشر الخانجى ص ١٢ ، ١٣ والمحصل للرازى. طبع الحسنية ص ٦٩ ومعالم أصول الدين له أيضا ص ٥ على هامش المحصل.
وانظر شرح المواقف للجرجانى. ط دار الطباعة العامرة ص ٢٩ ـ ٣٦ حيث يختصر صاحب المواقف ما أورده الآمدي مفصلا هنا. وأيضا شرح المقاصد للتفتازانى. ط دار الطباعة العامرة باستانبول ص ١٣ ـ ١٥.
(٢) القائل : هو الكعبى ، انظر أصول الدين للبغدادى ص ٥.
(٣) من أول (وهذا مما لا يندفع ...) ساقط من ب. أما صاحب الزيادة : فهو أبو هاشم. انظر أصول الدين للبغدادى ص ٥.
(٤) هو الجبائى ، انظر أصول الدين للبغدادى ص ٥.