فإن قيل : المنطبع إنّما هو مثال الحرارة ، والبرودة ، لا نفس الحرارة والبرودة.
قيل : فالمثال إن كان مساويا في الحقيقة للمثل ؛ فالإشكال لازم ، وإلا فليس مثلا له ، ولا العلم متعلّقا به (١).
ولعسر تحديد العلم ؛ اختلف العلماء المتأخرون.
(٢) فقال بعضهم (٢) : إنّه لا طريق إلى تعريفه بالحدّ ؛ بل تعريفه إنّما هو بالقسمة ، والمثال.
وقال بعضهم (٣) : العلم بالعلم بديهى ؛ لأن ما عدا العلم لا يعرف إلا بالعلم ، فلو كان غيره معرّفا له ؛ لكان دورا ؛ ولأن الإنسان يعلم بالضرورة وجود نفسه ، والعلم أحد تصورى هذا التصديق البديهى ، وما يتوقّف عليه البديهى يكون بديهيا ؛ فتصوّر العلم بديهى ؛ وهما باطلان :
أما القول الأول : فلأن الطريق المذكور في التعريف إن حصلت به معرفة العلم وتمييزه عن غيره ؛ فلا معنى للحدّ إلا هذا. وإن لم يحصل به تمييز العلم عن غيره ، فلا يكون معرفا للعلم.
وأما القول الثانى : فغير لازم ، فإنّ الدّور يوجب أن لا يكون التّحديد بأمر خارج عن العلم ، فلا يلزم من ذلك امتناع التّحديد مطلقا ؛ إذ الحدّ أعمّ من الحدّ بأمر خارج عن المحدود على ما لا يخفى إلا أن يكون العلم بسيطا ، وليس كذلك (٤) ؛ إذ هو نوع من مقولة الكيف ؛ على رأى. ومن مقولة المضاف ، على رأى ؛ فيكون مركبا.
كيف وأنه لا دور ؛ (٥) إذ الدّور إنمّا يكون (٥) مع اتحاد جهة التّوقّف ، وتوقّف غير العلم على العلم لا من جهة (٦) كون العلم (٦) صفة مميّزة له ؛ بل من جهة كونه مدركا به ، وتوقف / العلم على الغير بالضّد ؛ فلا دور أصلا.
__________________
(١) زائد في ب (قال شيخنا أبو الحسن الآمدي). وهى زيادة من الناسخ ، وهذه العبارة ترد كثيرا في النسخة (ب) عند ما يصرح الآمدي برأيه ، وأرجح أن بعض من اقتنوا النسخة ذكر ذلك للتوضيح ، فلما نقلت عنها هذه النسخة ظنه الناسخ ـ خطأ ـ من كلام الآمدي.
(٢) فى ب (فمنهم من قال). انظر الإحكام للآمدى ١ / ٩ ، ومنتهى السئول له أيضا ١ / ٤ ، حيث يحدد هذا البعض بأنهما : إمام الحرمين ، والغزالى. ثم انظر شرح المواقف للجرجانى ص ٢٨ حيث يوضح أنهما : إمام الحرمين والغزالى أيضا. قالا : وطريق معرفته بالقسمة والمثال. ثم يرد عليهما مختصرا ما أورده الآمدي هنا.
(٣) انظر الإحكام للآمدى ١ / ٩ ، ومنتهى السئول له أيضا ١ / ٤ ، وانظر شرح المواقف للجرجانى ص ٢٦ حيث يحدده بالإمام الرازى ثم يرد عليه موضحا ما أورده الآمدي هنا. ثم انظر ص ٦٩ من المحصل للرازى.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) فى ب (فالدور إنما يلزم).
(٦) فى ب (كونه).