أو بالحواسّ الباطنة : كعلم الإنسان بلذّته وألمه ، والعلم بالأمور العاديّة : كعلمنا بأن الجبال المعهودة لنا ثابتة ، والبحار غير غائرة ، وكالعلم بالأمور التى لا سبب لها ولا يجد الإنسان نفسه خالية عنها : كالعلم بأنّه لا واسطة بين النّفى والإثبات ، وأن الضّدين لا يجتمعان ، وأن الكلّ أكثر من الجزء ونحوه. وربما خصّت هذه بالبديهيات.
وإذا عرف معنى العلم الضّرورى ؛ فقد اختلف فيه :
فقال قوم من المعتزلة : إنّ جميع العلوم الواقعة ضروريّة غير مقدورة للعباد.
لكن من هؤلاء من قال : إن الجميع غير مقدور للعباد ، ولا يتوقف على نظر واستدلال.
ومنهم من قال : العلوم كلّها ـ وإن كانت غير مقدورة ـ فمنها : ما حصوله لا عن نظر ، ومنها : ما حصوله عن نظر ، لكن بعد تمام النّظر يقع العلم ضروريّا غير مقدور عليه.
وقال قوم : العلوم المتعلقة بذات الله ـ تعالى ـ وصفاته والاعتقادات الصحيحة ضرورية غير نظريّة. وما عدا ذلك ؛ فلا يمتنع أن يكون نظريّا. (١)
وقال بعض الجهميّة (٢) : جميع العلوم نظريّة لا ضرورة فيها.
وقال بعض المتأخرين (٣) : ما كان من العلوم التّصورية ؛ فهى ضروريّة. وما كان من العلوم التّصديقيّة ؛ فمنقسمة إلى ضرورى ، ونظرى.
والّذي عليه المحصّلون : أنه ليس كلّ علم ضروريّا ؛ إذ هو خلاف ما يجده كل عاقل من نفسه في المسائل المختلف فيها. كحدوث العالم ، ووجود الصّانع ، والجوهر الفرد وبقاء الأعراض. إلى غير ذلك.
__________________
(١) انظر شرح الأصول الخمسة ص ٤٨ وما بعدها ؛ حيث يوضح القاضى عبد الجبار : العلم الضرورى وآراء المعتزلة فيه.
(٢) الجهمية : أصحاب جهم بن صفوان. وهو من الجبريّة الخالصة ظهرت بدعته بترمذ وقتل في آخر عهد بنى أمية سنة ١٢٨ ه. وهو تلميذ الجعد بن درهم أول من ابتدع القول بخلق القرآن ، وتعطيل الله عن صفاته. والّذي توفى سنة ١١٨ ه. (الملل والنحل ١ / ٨٦ ، الفرق بين الفرق ٢١١).
(٣) المقصود به الإمام الرازى.
انظر المحصل ص ٧١ ، وشرح المواقف ص ٤٣.